الصديق الحبيب.. حسين خوجلي.. أشواقي لك لم تفتر.. لحروفك الطرية.. لعبارتك الندية.. لمفردتك الجزلة الثرية.. واليوم يا صديقي.. أنيخ راحلتي عند خيمتك المنصوبة أبداً في قلب مضارب تميم.. الحقيقة يا صديقي.. أني الآن أنيخ راحلتي عند سبعة وعشرين خيمة.. بل صيوان عزاء «أشيل الفاتحة» مرة.. ثم أقالد وأبكي مرات.. ويا له من وجع.. ويا لها من فواجع ومواجع ومصائب.. ما أقساك.. بل ما أشجعك وأنت بالأمس تكتب من محبرة النزيف.. باكياً منتحباً ثم تورد سبعة وعشرين «بكية» على السودان.. على شعب السودان.. على جغرافية وأرض السودان.. قرأت حد النحيب بل كانت عيوني غارقة في الدموع.. والحروف تتراقص أمامي لا تكاد تستقر على حال ولها العذر.. كل العذر فقد كنت أقرأ خلف الدموع.. وليس كحال «زيدان» الذي يبكي وينوح.. وشفت الدموع خلف الرموش.. لا يهم.. المهم أن الموضوع الذي أهاجني وأبكاني.. هو موضوع الأمس على صفحات ألوان.. تحت عنوان «طريقة حزينة لقراءة العناوين السودانية».. أنا يا حسين.. لست سادياً.. ولا من الذين يجلدون ذواتهم.. ولكن صدقني.. أني قرأت ذاك المقال ألف مرة.. «برضو» ليس كألف السر قدور ذاك الذي أنشد مزهواً سعيداً.. عايز أشوفك ألف مرة.. الموضوع يا صديقي.. أعني موضوعك ذاك الذي هو وثيقة.. بل هو أبلغ «عرضحال» يصف في دقة.. في إبانة.. في إبهار.. في شجاعة.. حال الوطن.. بالمناسبة هو صورة طبق الأصل.. لموضوعك ذاك الذي كتبته قبل سنوات رحلت.. وأنت توصف حالتي.. وكان تحت عنوان «دراسة حالة.. الرفيق مؤمنوف غاليتش» ضحكت حتى استلقيت على قفاي وتماماً كما الأسكندر الأكبر.. وأنت تحرف اسمي من مؤمن الغالي إلى «مؤمنوف غاليتش».. هل تذكره يا حسين.. أنا أذكرك.. كان أيام المفاصلة «السعيدة».. وكنت أنا قد كتبت في فرح عاصف سعيداً بتلك المفاصلة- مفاصلة الإسلاميين- كان عنوان مقالي تحت عنوان «إن شاء الله ما يتلم شتات».. ولا زلت أذكر بعض عباراته التي أبهجتني وأغضبتك أنت وكثير من «الأخوان».. كانت العبارة تقول «كذب من قال إنه إذا تقاتلت الأفيال تموت الحشائش.. وها هي أفيال الإسلاميين تتقاتل ونحن نزداد رواءً ونماءً وأزهاراً واخضراراً» اندهش معظم الذين أعرفهم عن تلك المساجلات.. بيني وبينك.. التي كانت مثل كرات الفولاذ المغلفة بالحرير والديباج.. اندهش كثير من الناس هم يرون حدة الخلاف وتصادم المعتقدات واختلاف الرؤى وتلك الحميمية والرصانة والحب وبديع المفردات.. وروعة التهذيب.. في خضم تلك المعركة.. جاءني أحدهم وقال لي «إنت صاحبك ده مثقف.. ورفيع اللغة.. يحب الأدب وباهر ورفيع الغناء فوق أنه من الذين يجيدون في إبهار وإبداع الحديث ودقة الحوار».. لكن «الرماهو في الناس ديل شنو».. أجبته مسرعاً وصادقاً «المؤمن مصاب».. يا حسين.. هذه تداعيات الحديث عنك.. دعها تكون «مقبلات» أو فاتحة شهية لموضوعي الأساسي.. ولكن بالله عليك دعني.. أو دع القلم «يمشي ويكتب زي ما عايز» ليكتب.. نعم فكرياً نحن بل أنا وأنت خطان متوازيان لا يلتقيان إلا في «كراسة بليد».. هذا هو الخلاف الوحيد بيننا.. أو هو الفارق الوحيد بيننا.. ولكن الذي يجمعنا.. أولاً.. ودنوباوي تلك الجميلة والتي لا «نسكن» فيها بل الساكنة في تجاويف صدورنا بل في آخر بوصة من أفئدتنا ثم حب الغناء الرصين.. والأدب الرفيع.. والسهر البرئ البهيج.. ثم أني أحب في جنون كابلي غناءً وحديثاً.. وأنت صديق شخصي لكابلي «بختك».. أنا أعشق في هوس «وردي» إنساناً وغناءً.. وموقفاً ومليون «واو» وأنت تحب وردي ولكن «بالدس».. هنا يكون العجب قد زال.. كوننا أصدقاء.. رغم أنف المتطرفين.. بكرة ندخل في الموضوع..