الأستاذ الصديق.. محجوب فضل بدري.. لك التحايا والود والسلام.. ولست أدري .. من أين أبدأ وأين انتهي.. وأنا أشد حيرة من إيليا أبو ماضي.. وهو يقف عاجزاً .. عن فك طلاسم .. ظلت تتسربل بالغموض.. وتتدثر بالمستحيل.. ولكن لابد من بداية رغم أن صوراً تتراقص أمام ناظري.. بل تتدفق كسيل (أبو قطاطي).. الذي وكت يكسح ما يفضّل شيء.. ولتكن البداية.. تهاني لآخر لحظة ولقراء آخر لحظة.. وأنت تغادر قصر السلطة.. لتتربع.. بل تتوهط.. في قصور الشعب الفقيرة.. المتصدعة.. ولكنها الغنية بمشاعر الناس.. المحتشدة بالملايين من أبناء الشعب.. العابقة بعطر عرق الأمة.. وهي خير وأعظم وأبقى.. لا تظن أني أسخر.. أو شامت.. أو سادي.. أبداً حاشا وكلا.. ورب البيت.. أنا صادق في كل حرف كتبته.. ولا شأن لي.. بالحكومة .. ولا يعنيني كثيراً.. (كراسيكم) ومن عليها يجلس ومن منها يغادر.. هذا أمر يخصكم وحدكم.. إذا كانت حكومة أو إنقاذ.. أو مؤتمر وطني.. وقديماً.. دخل إبراهيم الخليل.. أصغر قواد (المهدية) عمراً.. وأقواهم بأساً.. دخل إلى الخليفة التعايشي.. عرض عليه خطة عسكرية لم تجد هوى في قلب وعقل الخليفة (يعني) رفضها رفضاً تاماً.. هنا خرج الخليل وهو يتمتم.. (الأمر أمركم والمهدية مهديتكم.. لكن نصرة مافي) وأنا مثله تماماً.. الحكومة حكومتكم والكراسي والوظائف.. كراسيكم ووظائفكم.. ولك بعد ذلك أن تسأل.. إذن فيما التهاني.. وأنت تغادر أرفع المواقع.. داخل ردهات القصر المكسوة بالموكيت.. قريباً.. من أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد وهنا أقول.. لأنك مبدع.. ولأن المبدع.. يجب أبداً.. أن لا تحول الوظيفة بينه و الإبداع.. والإطلال على الشعب.. وقد ظللت طول عمري... أتمنى من صميم فؤادي أن يلحق الكاتب.. أو المسرحي.. أو المطرب.. أو المثال أو الممثل.. بأجنحة الإبداع.. في سماوات لا تعرف السقوف.. بعيداً.. عن روتين الوظيفة القاتل... ودائرتها الفولاذية الخانقة الضيقة ... هذا ما تمنيته.. لمكي سنادة.. الذي توقف نهر إبداعه.. عندما صار مديراً للمسرح القومي.. وقد كان الرجل.. يحملنا إلى المجرات البعيدة.. حيث لا أمنيات تجيب ولا كائنات تمر.. كان ذلك على خشبة المسرح ممثلاً.. أو خلف الكواليس مبدعاً ومخرجاً.. هل عرفت سبب سعادتي بمغادرتك القصر.. ودخولك إلى قصور الشعب.. ثم.. خاطر يلح عليّ.. وصورة مازالت تتوهج.. في مؤخرة عقلي.. ولعلها.. بداية المعرفة بك.. في تلك الأيام رغم أن المعرفة لم تعد معرفة قارئ.. والذي هو أنا.. وكاتب راتب والذي هو أنت. كانت بداية المعرفة ساخنة.. لاهبة وملتهبة.. في أوان المفاصلة.. عندها ووقتها كتبت مقالاً لصديقي حسين خوجلي.. أبدي فيه سعادتي بالمفاصلة.. شامتاً ومتشفياً.. فيه سألت الله سراً بل جهراً وعلى صفحات (ألوان) أن لا يلتقي النهران.. أبداً أبداً.. وقلت بالفم المليان.. إن شاء الله ما يتلم شتات.. ففي انقسام الحركة الإسلامية رحمة لنا.. ولطف من الله بنا.. ومازلت أذكر عبارتي تلك في ذاك المقال جيداً.. فقد كتبت كذب من قال إنه عندما تتقاتل الأفيال تموت الحشائش فهاهي الأفيال تتقاتل ونحن نزداد.. حياة.. ونماء ورواء.. أذكر جيداً عمودك (ولكن المفروض) وهو يمطرني بنيران.. دونها تلك التي اشتعلت في سواحل النور ماندي.. وأذكر أيضاً.. حسين خوجلي.. يرد في صفحة أخيرة كاملة.. على شماتتي.. بعنوان (دراسة حالة للرفيق مؤمنوف غاليتشي.) وتلك كانت أيام. وتصبح على خير.. وغداً نواصل الونسة..