في العام «1999» أعددنا العدة لإعادة صحيفة «المسيرة» الطلابية من المركز القومي للإنتاج الإعلامي..اكتملت الترتيبات وتم اعتمادي رئيساً للتحرير والصديق العزيز رحاب الدين طه مديراً للتحرير.. في اللحظات الفاصلة نبهنا الأستاذ عبدالباسط سبدرات أن علينا أن نبحث عن اسم آخر.. حجة الرجل أن «المسيرة» جزّ رأسها توجيه رئاسي بعد أن تطاولت على الملك فهد بن عبدالعزيز.. حجة سبدرات كان فيها كثير من المنطق..الاستهتار بقرارات رأس الدول يضعف من المؤسسية.. عودة الصحيفة المشاغبة باسمها القديم يرسل رسالة سالبة لجوار ماوراء البحر المالح..الغريب وبعد نحو عشرة أعوام من تلك الواقعة أعادت الأستاذة سناء حمد العوض «المسيرة» دون نكهتها القديمة في المناكفة. قبل سنوات قليلة جداً وجه رئيس الجمهورية بألاّ يجمع شاغل المنصب الدستوري بين وظيفتين..الرئيس اكتشف وقتها أن المنصب السيادي ليس إلا عنواناً.. تجد الوزير يجمع بين عمله وعضوية عدد من مجالس الإدارات.. بل أحياناً يحدث تضارب مصالح.. مثلاً كان وزير الدولة بوزارة المالية الدكتور أحمد المجذوب رئيساً لمجلس إدارة إحدى شركات الاتصالات. استناداً للتوجيه الرئاسي المبرر تخلى وزير الصناعة وقتها جلال الدقير عن منصب رئيس مجلس إدارة سكر كنانة لأخيه في الإنسانية الزبير أحمد الحسن الذي فارق المنصب الوزاري.. مندور المهدي أصبح أيضاً رئيساً لمجلس إدارة بنك الأسرة.. عملية الإحلال والإبدال بدأت وكأنها تعويض للخدمة الطويلة الممتازة «للفاقد السياسي» في صفوف الحزب و الحكومة. أمس الأول حملت الصحف قرارات بتكوين مجالس إدارات لبعض المشاريع الزراعية.. وزيرا الزراعة في الجزيرة وسنار نالهم من الحظ نصيب وأصبحا من الرؤساء رغم توجيه الرئيس السالف ذكره..ربما هنالك مبررات جعلت وزير الزراعة الاتحادي عبدالحليم المتعافي وبعد أن نثر كنانته لم يجد من الخبراء إلا الوزراء.. وربما رأى المتعافي أن معافاة الزراعة تستلزم التنسيق مع الولايات المستضيفة للمشاريع الزراعية القومية. توجيهات الرئيس أيضاً تصيبها نيران صديقة..الرئيس من قبل أعلن عن تكوين آلية لمحاربة الفساد..الرئيس اختار لتلك الآلية رجلاً من الدائرة الداخلية.. من مهام آلية «أبوقناية» رصد شبهات الفساد التي تثيرها الصحافة ومن ثم تقييمها والتحقيق فيها.. ولأن الصحافة سلطة كاملة المدنية والتمدن يجد المواطنون فسحة في البوح وتسريب المعلومات المحاطة بسياج السرية..رغم هذا تصدر جهات أدنى من القضاء قرارات وتوجيهات تمنع الصحافة من الخوض في حياض الفساد بحجة أن الأمر مضر بسير التحقيقات.. في تقديري الشخصي أن إطلاق سلطة الصحافة أمر يفيد التحريات في هذه المرحلة أكثر مما يضرها. عليه كان من الأحوط التنبيه لخصوصية هذه الإجراءات الاستثنائية التي تصادم قرارات وتوجيهات رئيس الجمهورية نصاً أو روحاً..ليس من الحكمة تكسير «رؤية» رأس الدولة مهما كانت ناشفة.