آه منك يا.. فارس.. ومرة أخرى توجعنا وتدمينا.. تدهشنا يوماتي برسوماتك التي تستمطر منا الدموع.. ونحن نضحك.. ولماذا لا نضحك وأنت لا ترسم بالريشة.. بل تشق أكبادنا بأطراف أسنة وخناجر.. ندخل يومياً صالة عرضك وأنت تتحفنا باللامعقول.. وبفصولٍ دامية وضاحكة من الكوميديا السوداء.. وبالأمس فقط والوطن يخوض معركة استرداد جزء عزيز وغالٍ من ترابه.. ترسم أنت وبريشتك الفنانة الفاتنة الرشيقة الذكية.. كاريكاتيراً يعبر في نصاعة وجلاء عن حالنا نحن في هذه الأرض الطيبة.. ترسم مواطناً وأظنه مسؤولاً.. يمتشق حساماً مهرولاً لاقتناص طريدة، أو يتأهب لخوض غمار معركة طاحنة مع المغنية المصرية «شيرين».. تاركاً خلفه بل في الاتجاه المعاكس تماماً لمضمار ركضه.. هجليج.. بالله عليكم هل هناك مفارقة أكثر من هذه.. أرأيتم كيف تتبعثر الأولويات.. وذاك الترتيب المخل.. بل المختل في قضايا الوطن.. والأمم الراشدة والعظيمة تبدأ بالأهم ثم المهم.. وتتواصل الحلول والمعالجات.. حتى يصل الناس إلى قاع قائمة القضايا.. وإلى هنا نشد على يد فارس ونودع فارس ونشكر فارس الذي وهبنا هذه السانحة.. لنكتب عن الإنصراف عن أمهات القضايا.. واجهاد النفس والتصدي لقضايا أقل خطراً وأيسر تأثيراً.. ولا بأس من إيراد بعض الكلمات والأمثال التي تصور مثل تلك الحالات.. يقول السيد المسيح «تبتلعون الجمل وتعافون الإبرة.. أيها المراءون» وصورة أخرى.. فقد جاء أحد الذين اشتركوا في سفك دم حفيد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وابن فاطمة الزهراء.. الحسين بن علي كرم الله وجهه، جاء ذاك الرجل إلى أحد الأئمة.. وما زال دم الحسين متيبساً على صفحة سيفه.. سأل مولانا ذاك.. هل قتل البرغوث في الأشهر الحرم حرام؟.. أجابه مولانا قائلاً.. «تسفكون دم حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن حرمة دم البرغوث».. ومثل سوداني صميم.. يصور الذي نعيشه ونحياه الآن.. يقول المثل «الناس في شنو و «ديك» في شنو».. وتتواصل المفارقات وقلة الشغلة.. وأحدهم كان يعالج «كدوس» إنحشرت في ثقوبه «قشة» في تلك الأثناء جاءه أحدهم وأخبره قائلاً.. لقد توفيت والدتي.. هنا قال له الرجل الذي كان منهمكاً في معالجة كدوسه «أنت في أمك الماتت وللا في كدوسي الانكسرت فيه قشة».. بعد هذه المقدمة.. نقول.. مولانا.. دفع الله.. لك التحايا.. بالله عليك.. هل تقف «شيرين» على تل بل جبل معاناة هذا الشعب.. وهل حرمان «شيرين» من الغناء في الخرطوم.. يجعل هذا المجتمع زكياً.. منضبطاً.. أنا شخصياً.. سيدي لست على استعداد لسماع حرف واحد أو نغمة واحدة من «شيرين» هذه، حتى وإن تغنت أمام منزلي.. ولكن لماذا لا يرتفع صوتكم هادراً وصاخباً وزاعقاً في أمهات القضايا التي تهم الشعب، بل تلك التي يصطلي بجحيمها الشعب.. بالله عليك إدخر جهدك ووفر مجهودك وقاتل في جبهات تهم الأمة والوطن.. تحدث عن تلك البطون الجائعة.. تحدث أيضاً عن تلك البطون المتخمة.. تحدث عن جحيم الغلاء الذي يطحن جماهير الشعب بلا رحمة.. تحدث عن ترف المترفين وبؤس المواطنين.. تحدث عن المتكدسين على كنبات المشافي المهترئة.. وتلك القلة التي تضرب أكباد الطائرات نشداً للعلاج في العواصم المترفة.. تحدث عن تأمين المواطنين من خوف وإطعامهم من جوع.. تحدث عن المحسوبية والاختلاسات والولوغ في المال العام.. ودع شيرين لمن هم أدنى درجة وموقعاً منك، إن مشكلة البلد ليست في شيرين فهنا في السودان ألف شيرين.. وبالمناسبة يا مولانا.. شيرين ليست راقصة هي فقط مغنية.. وبالمناسبة أيضاً.. إني لم أشاهد حتى صورتها إلا بعد غضبتك المضرية، وسأسعى إلى سماعها لأرى إن كانت مجرد مغنية أو شيطاناً رجيماً في شكل امرأة.