مدارس الأنبياء: عرف اليهود في عصورهم الأولي مدارس الأنبياء، ونقرأ عنها في الكتاب المقدس ومنذ زمن صموئيل النبي الذي ولد 1105 قبل الميلاد، وتنبأ عام 1075 ق.م، وكان له من العمر آنئذ ثلاثون عاماً، بحسب تقليد اليهود الذين لا يبدأون خدمتهم إلا عندما يصلون إلى الثلاثين عاماً، ويرجح أن صموئيل هو أول من أقام مدارس الأنبياء، وكان النبي الشهير مثل صموئيل يجمع حوله جماعة من الشباب الراغبين في أن يكون لهم نصيب من روحه، ويقيم هؤلاء بجوار النبي في موقع ما، ويصبح هذا الموقع كأنه مستعمرة خاصة، مثلما يسمى المسيد الآن في مواقع رجال الصوفية، وكانت بلدة نابون هي أول هذه المستعمرت كما جاء في صموئيل الأول: فَهَرَبَ دَاوُدُ وَنَجَا وَجَاءَ إِلَى صَمُوئِيلَ فِي الرَّامَةِ وَأَخْبَرَهُ بِكُلِّ مَا عَمِلَ بِهِ شَاوُلُ. وَذَهَبَ هُوَ وَصَمُوئِيلُ وَأَقَامَا فِي نَايُوتَ. فَأُخْبِرَ شَاوُلُ وَقِيلَ لَهُ: »هُوَذَا دَاوُدُ فِي نَايُوتَ فِي الرَّامَةِ«. فَأَرْسَلَ شَاوُلُ رُسُلاً لأَخْذِ دَاوُدَ. وَلَمَّا رَأُوا جَمَاعَةَ الأَنْبِيَاءِ يَتَنَبَّأُونَ, وَصَمُوئِيلَ وَاقِفاً رَئِيساً عَلَيْهِمْ, كَانَ رُوحُ الله عَلَى رُسُلِ شَاوُلَ فَتَنَبَّأُوا هُمْ أَيْضاً.(صموئيل الأول19: 18- 20). وكانت تحدث بين أولئك التلاميذ بعض حالات إنتشاء أكثر مما بين معلميهم، وكانوا يشحذون مشاعرهم عن طريق الموسيقى ليصلوا إلى حالة من النشوة تؤثر في الآخرين، فيحذون حذوهم، ويتنبأون، ويتعرون من ثيابهم، وينطرحون على الأرض، ولكن لم تكن هذه حالة عامة، والغالب أن مدارس الأنبياء كانت مراكز للحياة الروحية في شركة مع الله في الصلاة والتأمل، ويتذكر التلاميذ في مدرسة الأنبياء معاملات الله وأعماله العظيمة في الماضي، حتي يتمكنوا من أستقبال إعلانات جديدة، وربما يكون استخدام الموسيقى في العبادة قد بدأ في مدارس الأنبياء، واستمرت مدارس الأنبياء في كل عصور اليهود وأجيالهم. وكان الأنبياء لديهم من قوة الشخصية وعظم المكانة الإجتماعية ما يجعلهم يوبخون الملوك أنفسهم ويطلبون منهم إطاعة كلمة الله، فقد عوقب شاول أول الملوك لأنه لم يطع صموئيل النبي والقاضي، وكان داود الملك مديناً بشدة لتأبيد الأنبياء صموئيل وناثان وجاد، وكان يستجيب لتوبيخاتهم، وعندما أخطأ داود مع زوجة أوريا الحثي، وكان يتمشى على سطح بيته، فرأى إمرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة جداً، ثم تعرف عليها وأخطأ معها فصارت حبلي منه، خطط داود لإرسال زوجها إلى مقدمة جبهة القتال، وهناك مات، ثم تزوج داود بها، وكان هذا الأمر سرياً جداً في بدايته، ولكن ناثان النبي، أنبرى ليقوم بتوبيخ داود، وقد جاء في سفر صموئيل ما يلي: فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: »كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدّاً. وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعاً. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ«. فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدّاً، وَقَالَ لِنَاثَانَ: »حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذَلِكَ، وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ«. فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: »أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلاً كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ.(صموئيل الثاني12: 1-9)، وأعترف داود بخطيته، وأعلن النبي ناثان غفران الرب له: فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: »قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ«. فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: »الرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ.(صموئيل الثاني13:12). وكان إعلان تولية الملوك في أبناء يعقوب، وقرار تخليتهم للعرش يتم بواسطة الأنبياء، وعندما انحرف اليهود وعبدوا آلهة أخرى، وتخلوا عن التوحيد كان هناك أنبياء لهذه الآلهة، ولقد حارب إيليا نبي اليهود معركة فاصلة ضد كهنة البعل والسواري، وقد كان إيليا نبياً جريئاً شجاعاً في إعلان كلمة الله، وإعلان حق الله الذي هو فوق كل حق.النبوة عند اليهود: وفي الكتاب المقدس، يعتبر النبي هو من يتكلم بما يوحى به إليه من الله، فأقواله ليست من بنات أفكاره، ولكنها من مصدر أسمي، والنبي هو في نفس الوقت الرائي، أي الذي يري أموراً لا تقع في دائرة البصر الطبيعي، ويسمع أشياء لا تسطيع الأذن الطبيعية أن تسمعها، وكلمتا النبي والرائي مترادفتان، وكان يندس بين الأنبياء من يدعي النبوة، وكانوا يتنبأون من تلقاء ذواتهم، ولأن الرب لم يرسلهم كانوا، يسمعون الأنباء الكاذبة، أما الأنبياء الحقيقيون إنما يتكلمون بما يضعه الله في أفواههم، أو يكشفه لبصائرهم الروحية، ولم يكن من الضروري أن يأتي كلام الرب للنبي بصوت مسموع لأذنه الطبيعية، ولكن الأمر الأساسي أن يكون قادراً على التمييز بين صوت الله، وصوت قلبه، أو أفكاره الذاتية، وبهذا وحده يستطيع أن يتكلم بكلمة الرب كما يقول عاموس النبي: الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟ (عاموس8:3)، قَدْ أَقْنَعْتَنِي يَا رَبُّ فَاقْتَنَعْتُ وَأَلْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ. صِرْتُ لِلضِّحْكِ كُلَّ النَّهَارِ. كُلُّ وَاحِدٍ اسْتَهْزَأَ بِي. لأَنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ صَرَخْتُ. نَادَيْتُ: [ظُلْمٌ وَاغْتِصَابٌ!«لأَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لِي لِلْعَارِ وَلِلسُّخْرَةِ كُلَّ النَّهَارِ. فَقُلْتُ: »لاَ أَذْكُرُهُ وَلاَ أَنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ]. فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ.(أرميا20: 7-9).