وما زلنا في صيوان أفراح هجليج.. وبالأمس كنا حضوراً أنيقاً.. بهيجاً في تأمل روعة الصور وبهاء اللوحات.. وبديع الألوان المتدفقة في ألق.. شلال شهد روياً.. واليوم.. ننظر إلى بعض الظلال تلك التي صاحبت الصورة.. وليس ذلك حزناً في يوم فرح.. ولا بكاءً عاصفاً في زفة عرس.. ولكن نشير إلى الظلال.. حتى تكتمل الصورة لاحقاً.. أول تلك الظلال.. هو ذاك الموقف المعيب من بعض الانتهازيين.. الذين لا ينشطون إلا عندما يغفل الناس أو عند إنصراف الأنظار إلى مكامن الخطر.. أعني بهؤلاء الانتهازيين قلة من التجار أو المؤسسات.. وفي قلب المعركة.. وفي أتونها المشتعل.. وكل أفئدة وعيون الشعب.. مشدودة إلى هجليج.. تختفي تماماً سلعة السكر.. ثم يقفز بالزانة ثمنها.. في جشع وإستغلال بشع وقبيح إلى ظرف كان يتوجب عليهم على الأقل المشاركة الوجدانية لهذا الشعب.. الذي استحلبوا آخر تعريفة من جيبه المثقوب.. وشتان ما بين بيض الطير والقبب.. والتاريخ الحديث يقول إنه وإبان جحيم الحرب العالمية الثانية.. وبعد سقوط «دنكرك» في أيدي النازي وطائرات هتلر تقذف لندن بنيران وكأنها الجحيم.. في ذاك الزمان طلب تشرشل رئيس الحكومة البريطانية من المواطنين.. التبرع للمجهود الحربي وما هي إلا سويعات.. حتى نهضت في قلب لندن وفي ميادين أخرى من المدن نهضت أكوام وتلال من الحلى الذهبية.. وكل معدن نفيس وغال وأعلن التجار وبيوتات المال و مصانع تصنيع الأغذية عن تخفيضات هائلة ومدوية للشعب.. غير آبهين بالخسارة أوالخسائر.. المهم عندهم أن يربح الوطن ويكسب المواطنون.. وظل آخر.. ما كان يجب أن يكون أحد مكونات هذه اللوحة البهية.. وتسريب قبيح وفج وبليد.. تتلقفه وسائل الإعلام.. ليقول أن أبناء بعض الدستوريين والمسؤولين الكبار قد توجهوا إلى مناطق العمليات.. للالتحاق بكتائب المجاهدين.. ونضرب كفاً بكف.. وتتملكنا الدهشة ويلفنا العجب والغضب.. لنقول وماذا في ذلك.. وهل أتى هؤلاء الفتية مالم تستطعه الأوائل.. وما الميزه تلك التي يتميز بها هؤلاء.. وهل دماؤهم أغلى من دماء بقية أبناء الشعب.. وهل ولدوا ليتفرجوا على المعارك في شاشات التلفزيون وجيش أوطانهم مسنوداً بشباب أمتهم يخوضون اللهيب ويشتتون كتل الغزاة الباقية.. ونذهب أبعد من ذلك ونقول وهل هذا خبر يستحق الدهشة.. أم إنه أمر طبيعي أن يقدم كل فرد من هذه الأمة جهده أو حتى دمه فداء للوطن وصوناً للتراب.. ونذهب أبعد من ذلك ونقول للذين يرون في هذا الفعل ضرباً من التجرد ونكران الذات.. نقول لهؤلاء.. إن الصحابة صحابة الرسول المعصوم صلوات الله وسلامه عليه اشتركوا في كل معارك الإسلام.. اشترك علي كرم الله وجهه.. اشترك الفاروق ابن الخطاب رضى الله عنه.. اشترك كل صحابة الرسول المعصوم.. واستشهد حمزة في قلب المعركة.. قاتل خالد بن الوليد قتال الأبطال.. بل قاتل تحت إمرة أحد جنوده عندما نحاه أمير المؤمنين عمر من القيادة.. ونأتي إلى قمة العالم لنقول إن الرسول المعصوم.. قاتل جنباً إلى جنب صحابته.. لذا لا نرى في الأمر عجب.. ولا غرابة ولا دهشة.. لأن هذا هو المفروض نحن لا نود أن نظلم هؤلاء الفتية.. لأنهم قد يكونوا قد ذهبوا طوعاً واختياراً دفاعاً عن وطنهم وشعبهم وأرضهم.. ولكننا نقول للذين روجوا لهذا أو رأوا في هذا عملاً يستحق الإعلان والامتنان والإحتفاء.. نقول.. بئس التفكير..ويا له من أفق ضحل ومسدود.. ويا له من رأي فقير وفطير..