سيطرت الأوضاع في هجليج على كل الساحة السياسية والاقتصادية وقبلها الأوضاع الأمنية والعسكرية، وقد انشغل الشارع العام بها منذ احتلالها وحتى تحريرها، وكان لمجاهداته واقع كبير في أوساط السياسيين قفزاً على كل الأحداث السابقة منذ الاحتلال وحتى التحرير، يبقى السؤال الأهم ثم ماذا بعد هجليج، فالحرب كما يقول المراقبون حرب استنزاف ولن تنتهي بتحرير هجليج أو احتلالها، كما أن هناك إسقاطات داخلية وخارجية في القضية، ولهذا وذاك طرحنا الأسئلة الصعبة على د. بدر الدين أحمد إبراهيم محمد- أمين أمانة الإعلام والتعبئة والناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني، وقد أجاب عليها دون تردد رغم أنه كان على موعد مع الطائرة التي ستقله إلى الصين للمشاركة في مؤتمر إعلامي، فكان أول حوار له منذ توليه الأمانة: د. بدر الدين هل يمكننا أن نقول إن دولة جنوب السودان تسير في طريق أن تصبح إسرائيل افريقيا.. إذا أخذنا في الاعتبار عدم اعترافها بالأعراف والمواثيق الدولية، وذلك مقروءاً مع أن أول دولة قام بزيارتها سلفا كير كانت لإسرائيل، وهو الآن يتعامل مع المجتمع الدولي يقوم بالاعتداءات بنفس الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع القضية الفلسطينية؟ - تماماً هذا هو الذي عناه السيد الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير في خطابه، بأن الحركة الشعبية ونهجها الذي تتبعه، لن تجعل المنطقة تستقر، بل أن العالم كله لن يستقر بسببها، وبالتالي أصبحت القضية بيننا والحركة الشعبية وليست بيننا وبين جنوب السودان. لأن الحركة الشعبية بتعاونها مع إسرائيل وتلقيها الدعم ستكون خطراً على السودان، وعلى كل المنطقة، لذلك نرى أن الحركة الشعبية إما أن تزول أو أن ترعوي، وإذا لم تتدخل الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية في القضية بأن تحاسب وتعاقب الحركة الشعبية على فعلتها، فيمكن أن تدفع الحركة ثمنها مع كل الجيران وكل العالم.. ولن نسمح بأن تكون الحركة الشعبية إسرائيل أخرى مهما كان. لكنها هي الآن كذلك، والعالم ينظر إليها دون أن يحرك ساكناً؟ - «خلاص».. نحن لن نستطيع أن نقول للعالم أفعل أكثر من الذي تمليه عليك ضرورتك وظروفك، ولكن لن يستطيع العالم أن يأتي غداً ويقول للسودان تعامل مع الحركة الشعبية، إذا لم يصدر قوانين رادعة لها بما اقترفوه في هجليج، وإن لم يراعِ لكل الاتفاقيات والمواثيق التي مضت، وإذا أراد العالم أن يقف بعيداً، فنحن نستطيع أن نتعامل مع الحركة الشعبية، لكنها ستكون خطراً على العالم وليس خطراً على السودان فحسب.. هو قدرنا بأن الحركة الشعبية تتعامل بهذه الطريقة، وأنها تستضيف إسرائيل ظناً منها بأن إسرائيل تستطيع أن تكون بديلاً لكل دول الجوار. ماذا تقولون في حديث الحكومة اليوغندية الذي أطلقته، وهددت فيه بدعم حكومة الجنوب في حربها مع السودان، لأنه يدعم جيش الرب؟ - يوغندا نفسها تريد من يدعمها، فمن أين وبأي منطق.. فالقضية ليست في الأموال.. لكنها تريد دعمه مادياً؟ - مقاطعاً.. لا.. القضية الآن ليست قضية «قروش» فما قاله الرئيس كان واضحاً.. فالجنوب «أكله» من الشمال.. و«بتروله» من الشمال. لا مجال للجنوب إلا التعامل مع الشمال، كل الدول المجاورة للجنوب تحتاج إلى دعم.. ولها ظروف اقتصادية خاصة، والشمال وحده هو الذي يستطيع.. إذا تعاملت الحركة مع الشمال لكنها قامت بقطع الشعرة التي يمكن تصل بها الشمال.. تصور أنها إذا لم تصدر بترولها عبرالشمال، حيث إنها مهما أتت من الأنابيب فإن ذلك ستكون تكلفته أعلى من تكلفة تصديره عبر الشمال.. لا مجال بأي حال من الأحوال أن يأكل إلا من الشمال.. من أين؟.. هل تستطيع يوغندا أن ترفد الجنوب بالذرة والبصل والملح وغيرها.. فالجنوب حقيقة ليس له خيار غير الشمال، وهو قطع هذا الخيار، فعلى حكومة الحركة الشعبية أن تفكر، وأن يفكر العالم معها فيما تريد أن تفعله في المرحلة القادمة.. اعتقد أن الشمال إذا نفذ ما قاله رئيس الجمهورية، فالجنوب سيموت موتاً سريرياً دون أدنى شك. ماذا عن الجبهة الداخلية وموقعها تجاه احتلال هجليج؟ - نحمد الله تعالى، ولا نقول إن احتلال هجليج كان كله شر، فرب ضارة نافعة.. إلا أن هجليج كانت واحدة من الأحداث التي توحد فيها الشعب السوداني، وقد توحد سابقاً في قضية الجنائية والانتخابات.. لكن قضية هجليج أعادت لحمة الشعب السوداني، وأعادت تماسكه، وأعادت تجاوزه للخلافات الداخلية، وارتفاعه فوق الحزبية والجهوية والقبلية، التي كانت من الأمراض التي يمكن أن تسود بشكل أو بآخر، وارتفع إلى مستوى المسؤولية كشعب، وخرج بتعبير صادق جداً ظهر في تفاعل كل الشارع مع عودة هجليج.. قبل التحرير اعتقد أن الشعب السوداني وقف وقفات قوية جداً بالتعبئة والاستنفار، وبزاد المجاهد والتبرع بالدم، والتبرع بالمال.. وذلك بكافة شرائحه السياسية، والاجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني، وقبيلة الإعلام والإعلاميين، تماسكوا جميعاً لأن القضية هي قضية السودان، وليست قضية حزب.. ثم في مرحلة التحرير ظهر ذلك جلياً.. وسادت روح الشعب الواحد المتماسك الذي قلبه على الوطن.. لذا يجب أن تكون هذه هي الروح السائدة في السودان.. وهذه هي سمة السودانيين الأصليين.. ويجب أن تظهر بصورة إيجابية، وأن يدفع الناس بالتقدم إلى الأمام، وأن تنعكس في الحياة العامة بصورة أكبر مشاركة في كل المشاريع التنموية، وأن نبني السودان جملة، وهذا التلاحم يجب أن يستمر وان يتنزل إلى الواقع. وجدت الإنقاذ التفافاً شعبياً كبيراً بعد احتلال وتحرير هجليج كيف يمكن للإنقاذ أن تحتفظ بهذا التلاحم الشعبي معها، وكيف يمكنها إيصال الفهم بأن هجليج قضية سياسية واقتصادية وأن آثارها ستمتد؟ - هذه هي القيمة الأصيلة في الشعب السوداني، ونحن نتمناها، وهذا الشعب نحن منه وهو منا، والتلاحم الذي حدث لابد أن يفهم الجميع بأن هجليج البداية وليست النهاية، وأن هناك كثيراً من التحديات ستأتي، وهذه سنة الحياة، ولا نتمنى الاسوأ.. في كل يوم تأتي قضية مثل هجليج ويتكاتف فيها الشعب السوداني، ويقف وقفة يظهر فيها معدنه، وهو كالذهب تماماً كلما صقلته النار تزيده لمعاناً، وقوة وتماسكاً.. واعتقد أن التحدي أمام كل السودان ليؤسس لقيمة الوحدة الوطنية، والمعرفة والشراكة والانتماء الوطني، والاتفاق على القضايا الأساسية، التي تخدم البلاد،، وتحتاج إلى تدريس في المدارس والجامعات، بأن يعرف تلاميذنا وطلابنا ماذا يعني علم السودان، ماذا يعني هذا الرمز. واعتقد أن هذه من القضايا الأصيلة والراسخة.. وفي تقديري أن المرحلة القادمة تقتضي أن يتفق الجميع على قضية تعزيز روح الانتماء الوطني، وهي تحتاج لبرامج يلعب الإعلام ومناهج التعليم، والأحزاب السياسية دوراً كبيراً فيها، وأن نخوض معركة ترسيخ مفاهيم الانتماء الوطني، وتجاوز الحزبيات، والانتماءات الضيقة، لأن السودان وطن يسع الجميع، ويمكن لكل إنسان إن يكون منسجماً مع الآخرين.. وهجليج هي إضافة لمزيد من التكاتف والتعاون والدفاع عن أرض السودان وحقوقه، وافتكر أن كثيراً من الحقوق الخاصة بنا في المحافل الدولية، وسياسة الكيل بمكيالين، وحقوقنا في الأممالمتحدة، لابد أن يقف الجميع وقفة صلبة تجاهها... ويجب أن يتفق الجميع على خطوط حمراء، وخطوط متوسطة، وخطوط يمكن التحرك فيها، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فطالما أننا اتفقنا على قضايا مسلمة. قضية العودة للتفاوض.. كيف توفقون ما بين حتمية الرجوع للتفاوض مع رفض الشعب السوداني له إذا أخذنا في الاعتبار الضغوط الدولية التي سيتعرض لها السودان من أجل العودة للتفاوض؟ - لابد أن نشيد بالموقف الدولي، فقد أدانت كل المنظمات الدولية عملية الاحتلال، وبالتالي القضية في هذا المحور- كما قلت- هي قضية المجتمع الدولي، وليست قضية السودان، فقضية السودان في احتلال أرضه، لكن قضية المجتمع الدولي في انتهاك القوانين والأعراف الدولية، ويجب عليه أن يواصل في إعادة المعتدي بصورة أساسية.. ولابد للدبلوماسية أن تلعب دوراً تستثمر فيه هذا المناخ الإيجابي، وهذا الدعم بصورة علمية ومنطقية، ونحن لا عداء لنا مع المجتمع الدولي، بل نثمن دوره وجهوده، ونقف معه.. فكيف نستثمر هذه القضية ونجد لها الدعم الدولي المطلوب، وأن ننتقل بها إلى أرض الواقع، لكي نؤسس في إطار الحزب وفي إطار العلاقات الخارجية، يجب أن نتحرك ونتصل بأصدقائنا في الأحزاب الشقيقة الحاكمة في دولها، وأن نوصل لها قضية السودان العادلة، واعتقد أننا دبلوماسياً نحتاج، ولكن نريد للدور الإعلامي أن يتكامل مع العمل الدبلوماسي، فالتوثيق الذي يأتي من هجليج يمكن أن يكون واحداً من الشواهد الدولية، باعتبار أنه ليس هناك دخول وانسحاب من غير ما يكون فيه دمار وخراب وخطط مقصودة أصلاً. أما مبدأ التفاوض اعتقد انه غير وارد في هذا الوقت، لأن كل التفاوضات التي تمت نُقضت بشهادة المجتمع الدولي، نُقضت وعليه أن يصحح موقف الحركة الشعبية تجاه التفاوض، قبل أن يطلب من الآخرين الرجوع للتفاوض، كما أن المطلوب منه محاسبة الحركة الشعبية وجنوب السودان على خرق المواثيق الدولية وما هو موقف ما تم من الاتفاقيات السابقة، قبل أن يطالبوا باتفاق جديد.. مَن خرقها؟ ولمن خرقها؟ وهل هناك مبرر لذلك؟ ويحاسبوا الذي خرقها قبل أن يطالبوا باتفاقات جديدة.. وحسب حديث السيد الرئيس ليس لنا اية اتفاقيات الآن، والقضية واضحة ولا تفاوض إلا عندما نحرر أرضنا شبراً شبراً في المقام الأول. وأي تفاوض في المرحلة القادمة سوف لن يتجاوز المعدات الأمنية هذا المحور الأساسي، حتى إذا تم تفاوض فسيكون في جانب ترسيم الحدود، وفي إطار طرد القوى المستضافة في الجنوب، وتفكيك الفرقتين التاسعة والعاشرة، ولا يمكن أن تتفاوض وهناك مهددات داخل أرضك، واي تفاوض لن يتجاوز الترتيبات الأمنية وبعد أن نطمئن على أن هناك دولة، وهنا دولة، وهناك اعتراف وحدود آمنة بين الدولتين، ورعاية للأعراف الدولية من دولة الجنوب، بعد أن تُعاقب وتُحاسب.. وهناك تعويضات لما دمرته في هجليج.. يمكن بعد ذلك أن ينطلق الناس إلى مرحلة لاحقة للتفكير في إقامة علاقات تحكمها الأعراف الدولية. وصف البشير الحركة الشعبية بالحشرة الشعبية.. هل هو يقصد ذلك أم أن الموقف العفوي هو الذي تطلب ذلك؟ - هي مقصودة وقد أطلقها البشير في لقاءات كثيرة قبل لقاء الشباب، وهي كمصطلح يتناسب مع المرحلة بصورة أساسية، والرئيس عندما أطلقها يدرك تماماً قادة الحركة الشعبية ومستوياتهم، ويعلم تماماً أن الجيش السوداني قادر على هزيمتهم، ومهما كانت قوة الحركة الشعبية فإنها محدودة، لأن الذي يمدك اليوم لن يمدك غداً، والدعم له حدود ومصالح.. فأي مصالح الآن في الجنوب سوى المياه والبترول!! والآن البترول «قُفل»، وهذا هو الذي قيل من الغربيين للجنوب، حيث قالوا لهم يمكن أن نقف معكم من أجل البترول، وأنتم الآن اغلقتم البترول، فلماذا نقف معكم!! إذن العالم لا يقف مع الجنوب نكاية في الشمال، لكن يقف من أجل مصلحته هو، والمصلحة هي «المياه والبترول»، ونحن لنا بترول ومياه.. فإذا راهن الجنوب على وقوف المجتمع الدولي معه من أجله فهو لم يصدق.