ولكن إنساناً واحداً في البلد يأسى عليه «الحنين» ويهش له ويتحدث معه، ذلك هو الزين.. كان إذا قابله في الطريق عانقه وقبله على رأسه، وكان يناديه يا المبروك.. وكان الزين أيضاً إذا رأى الحنين مقبلاً عليه ترك عبثه وهذره وأسرع إليه وعانقه.. ولم يكن الحنين يأكل طعاماً في بيت أحد.. إلا دار أهل الزين يسوقه الزين معه إلى أمه ويأمرها بصنع الغداء أو الشاي أو القهوة.. ويظل الزين والحنين ساعات في ضحك وكلام ويحاول أهل البلد أن يعرفوا من الزين سر الصداقة التي بينه وبين الحنين فلا يزيد على قوله الحنين راجل مبروك. زين العابدين ليس هو الزين في «عرس الزين» للطيب صالح، ولكنه«الزين» و«الحنين» معاً.. الزين كان هو الرجل «المبروك» الذي حمل كل تلك المعاني، من بين النصوص أعلاه!! زين العابدين جمع بين حب الناس ،والبساطة والإلفة والشخصية السودانية «القديمة» في أروع تجلياتها، وكانت مسيرة حياته وتنقله بين عوالم الإبداع المختلفة من شعر ومسرح وصحافة تجسيداً لتلك الصور والمعاني. في إذاعة الصحة والحياة أمس طلبت مني المذيعة «فاتن» أن أقول شيئاً في سيرة الصحفي زين العابدين الذي رحل عن دنيانا أمس بقاهرة المعز، فظهرت أمامي كالشريط بداياتي الصحفية أنا ومجموعة من أبناء جيلي «صالح عجب الدور» و«سمية سيد» وزين العابدين رئيساً لقسم التحقيقات في صحيفة الأسبوع الأولى ونحن بعد نحبوا في دنيا الصحافة ،وجدنا عنده معاني «الأستاذية» ورغم قصر الفترة فقد تعلمنا منه الكثير في أبجديات هذه المهنة ب«حرفيته» العالية و«إنسانيته» المرهفة و«تقديسه» اللا محدود لمبادئ وأخلاقيات العمل الصحفي.. وفوق ذلك احترامه وتواضعه وحسن تعامله مع من يعملون معه. فرَّقتنا الأيام وتقلبات الصحافة والسياسة، فهاجر لقاهرة المعز مواصلاً رسالته السامية في الحياة وظلت سيرته على لسان كل من يزور القاهرة، فقد كان «سفارة شعبية» يلجأ إليه كل من هبط أرض الكنانة فلا يجد غير الزين «الحبوب». في زيارتي للقاهرة قبل سنوات أنا وأفراد الأسرة احتفي بنا الزين خير احتفاء، ولا زلنا نتذكر بالخير والتقدير كل مظاهر وتفاصيل الحفاوة التي قابلنا بها هناك. رحم الله أستاذنا وصديقنا الراحل زين العابدين أحمد محمد وجعل الجنة مثواه الأخير.. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.