اليوم المعني هوالجمعة، ولم نقل التاريخ، الأيام تتكرر تحمل ذات المسميات، لكنها تكتب كل لحظة سطراً من التاريخ.. والتاريخ تاريخان الأول شخصي والثاني عام، قليل جداً أو من النادر أن يسجل يوم واحد حدثين مهمين، لهما علاقة بالشخص أو الشأن العام معاً.. لكن هذا حدث يوم الجمعة الماضية. شعر كل منا بأنه استعاد كرامته وقوته وكبرياءه وهيبته في يوم (جمعة النصر)، عندما عادت «هجليج» إلى حضن الوطن. كل الناس الذين خرجوا إلى الشوارع والطرقات يهتفون مكبرين ومهللين لم يكن دافعهم لذلك موالاة حاكم ولا ممالاة حزب، كان دافعهم وطنياً خالصاً، كان دافعهم هو ضرورة التعبير الشخصي عن فرحة عامة، انتظمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ومن أدناها إلى أدناها.. هنا ارتبط التاريخ الشخصي بالتاريخ الوطني. عندما تمر ذكرى تحرير «هجليج» بعد عام وأعوام وأعوام، سيذكر الجميع ذلك اليوم، بل ستقفز التفاصيل الكاملة في أذهانهم، ويتذكر كل فرد أين كان لحظتها، ومتى سمع بالنبأ، وما هي ردة فعله الأولى، سيذكر كل فرد من كان معه في ذلك اليوم، وترتسم كل الصور كأنها حية أو على (الهواء مباشرة) في خياله، فالحدث عظيم والنصر كبير، وسيعلم الجميع أن الله أكبر من كل كيد، وأقوى من كل مكيدة. يوم (جمعة النصر) سيكون ضمن صفحات انتصارات القوات المسلحة السودانية المضيئة، وضمن صفحات القوات النظامية الأخرى والمجاهدين الناصعة، ويظل تأكيداً مستمراً على ما هتف به الناس: (جيش واحد.. شعب واحد). «جمعة النصر» يجب أن تكون درساً لنا قبل أن تكون درساً لعدو الله وعدونا، علينا أن ننتبه.. علينا أن نتيقظ وأن نستعد لصد أي عدوان محتمل، فالعدو الذي نواجهه ماكر ومخادع ولا يؤمَن له جانب. الاستعداد ليس بالتسليح وحده.. الاستعداد يبدأ بإخلاص النية، والدعاء والقربي من الله عز وجل، ويكون أيضاً بإعلاء قيم الفروسية و (الرجالة) من خلال أغنيات الحماسة التي يجب ألاّ تغيب أو تُغيّب عن إذاعاتنا، ومحطات بثنا التلفزيوني، والأغنيات الوطنية والأناشيد يجب أن يكون لها مكان ثابت ونسبة عالية ضمن برامج البث اليومي. مشهدان لن يغيبا عن ذاكرتي في يوم جمعة النصر الماضي، ويبقيان ماثلين في خاطري، الأول هو مشهد رجل سوداني صميم تجاوز الستين، ممتليء الجسم كان يقود سيارة (بوكس) من موديلات الثمانينيات، أوقف سيارته في وسط الشارع وحوله العشرات، وأخذ (يعرض) و (يهز) وتفاعل معه الكثيرون من حوله.. أخذتهم (الهوشة) وتحول موقعه إلى حلقة خاصة جداً (للعرضة) وسط زغاريد النساء. أما المشهد الثاني فكان ذلك الالتفاف العفوي حول الدكتور نافع علي نافع، الذي لم تتمكن سيارته من المرور، فترجل منها وسار على قدميه ليلحق باجتماع في موقع قريب من برج الاتصالات، لقد حوصر الدكتور نافع بالناس والهتافات والتكبير والتهليل، فأصبح هو نفسه جزءاً من أولئك الذين هزتهم الفرحة، وجزءاً من لوحة النصر. اللهم إحفظنا واحفظ بلادنا وأهلنا يا الله يا أرحم الراحمين يا رحمن يا رحيم يا رزاق يا كريم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.. نسألك بإسمك الأعظم أن ترد عنا كيد الكائدين وأن تكفنا شر كل من يريد بنا شراً، وأن تجعل كيده في نحره يا مالك الملك يا الله. آمين و.. جمعة مباركة