بالرغم من تلويح أحزاب المعارضة وشريكها الحركة الشعبية( الجُوكر)لمقاطعة الإنتخابات بدعوى عدم نزاهتها وعدم توفر المناخ السياسي الحُر لإجرائها .. احسب أن هناك توافقاً عاماً بين جميع القوى السياسية.معارضون وطنيون وديمقراطيون، وسياسيون قوميون وقيادات إسلامية متعددة الجذور مترامية الفروع اتفقوا جميعاً لقيام الإنتخابات العامة في السودان، وأن هذا الاجماع ليس إلاَّ تعبيراً عن موقف مشترك من معظم القوى الرسمية التي نتمنى أن تكون كذلك تجاه الغرب فهو إمبريالي عند اليسار ، صليبى عند الإسلاميين ، مستعمر عند الوطنيين. وأعتقد أيضاً أن ذلك كله يتم ، أو يجب أن يتم في إطار إقتناع شامل من الجميع ، بأن المسئولية والواجب يفرضان على الجميع ، التأكيد الدائم بأن الحوار الحى والخلاق ، القائم على الإحترام المتبادل هو الوسيلة الصحيحة للتفاعل الإجتماعي ، في ظل الإيمان الكامل بالحريات العامة والخاصة ، وحقوق الأفراد وحقوق المجتمع المنصوص عليها في القانون والواردة في الدستور ... وأن من الواجب والمسئولية أن تكون الإنتخابات ، في إطار الإيمان المجتمعي الكامل . الآن .. عدلت الأحزاب مسلكها القديم ، وقررت أن تتوجه إلى الناس عبر لقاءتها المباشرة التي أصيبت بنزلة برد حادة اقعدتها في مقراتها الحزبية والصحفية .. وبدأ كل حزب يؤكد جدارته وإستحقاقه ،لأن يكون حزباً للأغلبية من خلال برامجه ومشروعاته وطموحاته ، وإبرازه للعديد من القيادات الواعية، والقادرة على التعبير والدفاع عن مصالح المواطنين ، وتفرقت الأحزاب المعارضة إلى الحراك من أجل أن تتبوأ القيادة.. وكان لافتاً للنظر الطواف الذي قام به السيد المبعوث الخاص للرئيس أوباما مستر غريشن لمراكز التسجيل ، ومن خلاله حض المواطنين على التسجيل لأنه كما قال(هو السبيل الوحيدة للشعب السوداني للحفاظ على حقوقه في المشاركة في الإنتخابات القادمة) .. تصريحاته تلك لا تخلو من عاطفة تجاه العالم ، ورؤية معتدلة تجاه الشعب السوداني أثلج ذلك صدور الكثيرين وبدأت تسرى في الناس نغمة أننا أما حاكم من نوع خاص للتاريخ والإنسانيات مكان رحب في صدره.. ووسط هذا الخضم المثير من التصريحات والحنث فيها أو الالتزام بأمر ما تمَّ .. خرجت علينا الخارجية الأمريكية ببيان مسهب ، قالت فيه(إن السودان قد لا يكون قادراً على إجراء إنتخابات تتسم بالمصداقية خلال الشهور القادمة ، لأن الحزب الحاكم والمعارضة لا يستطيعان الإتفاق على القواعد الأساسية للإنتخابات)!! برعت الرئاسة الأمريكية للحديث الإيجابي حول الإنتخابات في السودان ولكن بدأ يُخفت وكأنه لم يكن !! والأغرب من ذلك إن صورة أوباما التي كانت رمزاً للاعتدال والتوازن باتت تتماهي مع صورة سابقة (بوش)!! وطالما أن أمريكا تشك في مصداقية الإنتخابات !! ما هو بديلها يعني بالواضح كده(نجلّي الفكرة .. ولا شنو) ؟؟!! لا أستطيع أن أصدق أن كل مواقف أمريكا تجاه السودان وحكومته وشعبه هي من قبيل خوفها عليه على وجه الخصوص ، وحرصها على الإنتخابات !! فحيناً أرى ما تفتعله أمريكا وما تحاول القيام به الآن ما هو إلاَّ صورة طبق الأصل لما قامت به في العديد من دول العالم الثالث . وفي حين تظهر أمريكا نواياها الطيبة ، وتشجب التهديدات والأخطار المزعومة المحدقة بأمنها القومي ، نرى صنّاع السياسة الأمريكية وهم يفرضون على شعوب العالم حكومات ترفضها هذه الشعوب ، ويزودون هذه الأنظمة بالسلاح ، ويدعمونها ، إذ تخفي أهدافها الحقيقية!! يعيد الغرب من جديد، ووفق إيقاعه ومزاجه، إكتشاف السودان كمصدر خير وميدان إستثمارات وساحة مصالح. يكتشف الغرب، منذ الإتفاق الشمالي الجنوبي، وبروز عوامل النمو بدل عوامل الحرب، ما يملكه السودان من إمكانيات إقتصادية متوفرة وواعدة وكامنة. فالأمر يتعلق بموارد نفطية ومعدنية وزراعية وصناعية تم إغفالها غرباً، وتم الإنتباه لها شرقاً . بالتأكيد لأمريكا مصلحة أخرى في السودان أو لنقل مطامع أخرى ربما كان الذهب (الأسود) الذي لم يستغل بعد بينما تنضب موارد البترول الأخرى حالياً أو في المستقبل القريب ، وربما لتأكيد تدخلها وسيطرتها الهدف مساعدة إسرائيل في تقسيم السودان. وربما لسيطرتها على القارة الإفريقية أو على الأقل على أي مكان في العالم وربما أي شئ إلا الحرص على الإنتخابات !! وإذا كانت القوى السياسية لديها من المشاكل ، والأزمات .. ما يجعلها عاجزة عن خوض الإنتخابات وبالتالى تلبية رغبات أنصارها .. فإن تلك الشعوب ?على الجانب المقابل- أصبحت فاقدة الأمل في غد أفضل .. ينطبق ذلك على الأغنياء والفقراء في آن واحد .. وعلى أولئك الذين بلغ التقدم عندهم أقصى ذروته .. والآخرين الذين مازالوا يتصارعون ويتقاتلون من أجل مصالحهم !! ويجب أن يُعرف إن الأمريكان من أجل مصالحهم يستخدمون العقوبات والضغط الإقتصادي ، والإغتيالات السياسية ، وعمليات التخريب ، والتشكيك في الحكومات ..ألخ ... ويجب أن لا نصدقهم ولن نصدقهم لأننا نعرفهم!!.