هكذا يحدث انتقال مفاجئ لأحد الذين تحبهم، وغياب أبدي يشعرك بعجز الإنسان أمام الموت، وعجز المخلوق أمام إرادة الخالق عز وجل، وهذا ما حدث لنا نحن مجموعة أصدقاء الراحل زين العابدين أحمد محمد، الذين يكنون له مودة خاصة وتقديراً قلّ أن يجدوا مثله تجاه آخرين.. فالراحل المقيم- رحمه الله- ظلّ طوال حياته يهب كل صديق من أصدقائه إحساساً فريداً يشعر معه كأنما هو الأقرب إليه، لذلك ذرف كل من عرفه الدموع وترحم عليه وسأل الله أن يغفر له وأن يسكنه فسيح جناته. أذكر أن أول من تعرفت إليه من الزملاء في بداية حياتي العملية بالصحافة، كان الأستاذ محمد إسماعيل العمرابي، ومن بعده الأستاذ الراحل حسن الرضي الصديق الذي كان يشغل منصب سكرتير التحرير في صحيفة «الأيام»، وقد عرفتهما زميلي مهنة، لكن سرعان ما تطورت تلك الزمالة لتصبح صداقة ممتدة مع الأصول والفروع إلى يومنا هذا، وسوف تستمر بإذن الله ما بقي في العمر بقية، لذلك أذكر في المقابل أنني أول من تعرف عليه زميلنا« زين العابدين » عندما جاء إلينا في الصحيفة يحمل مواداً صحفية تدل على التمكُن والقدرة والمهنية العالية. نمت تلك المعرفة وتطورت إلى صداقة عميقة جعلت كل صديق لأحد الطرفين صديقاً للآخر. كان زميلنا الراحل « زين العابدين » - رحمه الله - حلقة الوصل والرابط بين أصدقائه، والدينمو المحرك لتواصل علاقاتهم، المجدد لها دائماً، حتى أنه في آخر زيارة له إلى السودان من مصر التي استقرللعمل بها منذ أكثر من عشرين عاماً تقريباً، كان قد جمع داخل منزل شقيقه « صلاح » مجموعة ما كان لها أن تجتمع لولاه، كان من بين أفرادها الأساتذة طه النعمان وفتح الرحمن النحاس، وداؤود مصطفى، وشكر الله خلف الله، وعبدالوهاب هلاوي، وعوض محمد أحمد، ومحمد نجيب محمد علي، وعماد أحمد الطيب، وهيثم عبدالرحيم وغيرهم ، ثم اجتمع هؤلاء وأكثر مع الراحل المقيم وأفراد أسرته قبيل مغادرته في رحلته الأخيرة إلى « القاهرة » بساعات، يكذبون الواقع ويصدقون أمنيات النفس، وكان أهله وأصدقاؤه حوله يتعاضدون ويتماسكون أمامه وهم في حقيقة الأمر يستشعرون خطر الفراق الأبدي الذي أخذ يلوح في أفق الجميع، وكان أكثر من كان حول « الزين » يستمد شجاعته منه، فقد ظل يحمل المرض ويتحمل آلامه المتصلة، ويمشي بين الناس بالابتسامة وخفة الروح والأمل إلى أن سكت عن الكلام المباح قبيل وفاته بأيام قليلة داخل غرفة العناية المكثفة بإحدى مستشفيات «القاهرة»، وهي ذات الغرفة التي ظل يرابط ويرابض عند بابها قبل شهرين متابعاً لعلاج صديقنا المشترك الراحل محمد عبدالمطلب خالد منصور الذي كان يعاني من ذات المرض، ولكن في مراحله المتأخرة. ظلّ «زين العابدين » متحاملاً على نفسه مرابضاً أمام غرفة العناية المكثفة إلى أن لفظ « محمد طلب » أنفاسه الأخيرة، ثم تابع بعد ذلك كل الإجراءات الرسمية إلى أن تم شحن الجثمان وإرساله إلى الخرطوم ووقف على إجراءات سفر زوجته وابنه حتى لحظة مغادرتهما مصر عن طريق الجو. شهران فقط وبدأ فصل جديد تشابهت مشاهده، ولكن باختلاف الأشخاص، فقد غاب البطل.