هو غرس المودة، والإخاء، والمحبة الصادقة.. هو غرس لا يشبه إلا صاحبه الأخ والصديق، الشقيق الرقيق الرفيق الأستاذ زين العابدين أحمد محمد- رحمه الله- وهو غرس لا نحسب أنه سيموت بموت صاحبه، أويجف في حالة غيابه، فسقاة ذلك الغرس كُثرٌ، منهم الزملاء والأصدقاء.. صحبة الزمن الجميل، روح الشاعر الكبير المرحوم حسن الزبير، وشاعر السيف والقلم اللواء الركن أبوقرون عبدالله أبو قرون، والشاعر المرهف عبدالوهاب هلاوي، وزميله على ذات الدرب عبدالرحمن مكاوي، وشاعرنا المبدع التجاني حاج موسى، والأساتذة الأجلاء الكبار حسين خوجلي، وحسن السر «بخاف»- رد الله غربته- وعماد أحمد الطيب، وسيف الجامعة، والبروفيسور عوض إبراهيم عوض، ومحمد ميرغني، وفتحي المك، وكاتب هذه المادة.. وغيرهم وغيرهم. مات زميلنا الجميل، طاهر النفس، قوي الإرادة، عفيف اليد والقلم واللسان، الأستاذ زين العابدين أحمد محمد، مات شجاعاً كريماً، حتى مع الموت غير هياب، قوياً كما عهدناه دائماً، صاحب إرادة تقهر المرض اللعين، لكنها لا تمنع القضاء.. بلغني النبأ الحزين يوم الثلاثاء الماضي، ثاني أيام وصولي إلى مدينة «جدة»، وذلك عن طريق محادثة هاتفية على رقم هاتفي المحلي، الذي استخدمه في المملكة العربية السعودية.. وقد دهشت عندما ظهر لي رقم هاتف أخي وصديقي الأستاذ شكر الله خلف الله، المخرج المعروف، دهشت لأن رقم هاتفي في المملكة العربية السعودية لا يعرفه إلا أفراد أسرتي في السودان، إلى جانب الأخ الأستاذ عبدالعظيم صالح، وكنت قد أردت الإبتعاد عن جو العمل وضغوطه الهائلة، بأن أنال إجازة خاصة لبضعة أيام، ظللت أؤجل بدايتها إلى أن تحررت «هجليج» من أيدي الغزاة البغاة والمرتزقة المارقين. نقل إليََ الأستاذ شكرالله النبأ الحزين .وقال لي :«الزين الليلة محتاج لي دعاك»- حسبت- أن حالته قد تأخرت وهو في غرفة العناية المكثفة بأحد مستشفيات علاج الأورام في «القاهرة»، خاصة وأنني كنت أتابع حالته بصورة شبه يومية، وسبق لي أن تحدثت- إلى أخي وأخيه الأستاذ صلاح أحمد محمد قبل يوم من سفري، وقال لي يومها إن الحالة تأخرت إلى الدرجة التي أبكته ودفعته إلى أن يلقنه الشهادة. قلت للأستاذ شكر الله إنني أدعو له مع كل صلاة، وعلم محدثي أنني لم استوعب ما رمى إليه، فقال لي بصوت حزين :«الزين إتوفى ... أدعو ليهو معاك» ثم أضاف إلى ذلك أنه حصل على رقم هاتفي من الأستاذ عبدالعظيم صالح، ثم توالت الهواتف والرسائل النصية من أفراد الأسرة، وفي مقدمتهم ابني الأستاذ مؤمن مصطفى، وأخي الأستاذ كمال محمد عبدالحليم.. ومن الأصدقاء وفي مقدمتهم الأستاذ هلاوي. ظللت.. أدعو الله عزَ وجل طوال ليل ذلك اليوم، أن يغفر لأخي زين العابدين، وأن يرحمه رحمة واسعة، وأن يدخله فسيح جناته مع الصديقين والنبيين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.. وأحسب أنه شهيد مثلما قال بذلك بعض العلماء أن مريض السرطان المتوفى شهيد... بإذن الله . غداً نكتب عن أبرز صفات المرحوم الزين، وملكاته وقدراته وشجاعته اللامتناهية في مواجهة المرض اللعين.. وقد كنا حوله مجموعة من الأصدقاء قبل أن يغادر في رحلته الأخيرة إلى «القاهرة» التي أحبها ولقي ربه فيها، لقد ظللنا حوله إلى مابعد منتصف ليلة السفر التي غادرنا منها بعد ساعات قليلة، لم يرنا بعدها ولم نره.. رحمه الله رحمة واسعة، وألهم وأهله وأصدقاءه ومعارفه الصبر والسلوان.