تعتبر تسمية الشوارع بالمدن إحدى دلالات الحضارة، كما تعتبر خدمة تقدم للسكان وتهتم أغلب دول العالم بتسمية شوارعها ومعالمها، ففي كل دول العالم تقريباً لا يجد الزائر مشقة في التنقل داخل المدن، حيث أن الشوارع معروفة ومحددة ومسمية- وعناوين كل جهة يسهل الحصول عليها، أما في الخرطوم العاصمة، فما زالت شوارعها تحتاج الى تنظيم وتحديد أسماء، فالشوارع المسماة محدودة العدد، ولكن كثيراً منها لا يعرفها الناس، ان هناك شوارع كثيرة ومتعددة في وسط الخرطوم لها أسماء رسمية، لكنها غير متداولة، فمن منا يعرف الآن مواقع شارع الطيار مراد- الطيارالجميل- ومامون بحيري- وعلي دينار- وشوارع أخرى في وسط الخرطوم تحمل أسماء كلها تحتاج الى إعلامها.. أما الشوارع الكبيرة المعروفة فلها أسماء متعددة، فشارع الحرية يسمى شارع السيد علي الميرغني، وكلا الاسمين قد تم إعلانهما رسمياً، حين قال الزعيم الأزهري في احتفال تسمية الشارع باسم السيد علي الميرغني، إن كان هذا الشارع يسمى شارع الحرية فمن الأولى أن نسميه بأبي الحرية السيد علي الميرغني، ولكن فيما يبدو أن الاسم السائد الآن هو شارع الحرية.. ثم شارع القصر جنوب، ويبدو أن ذلك هو اسمه الرسمي، لكن يسمى الآن كغيره أسماء أخرى، أما شارع الصحافة ظلط وهو شارع الديم، والصحافة ظلط تعني أن شارع الصحافة شرق في ذلك الوقت لم يكن مرصوفاً، بل كان ردمية، لذلك يميز هذا الشارع بالصحافة ظلط، ونلاحظ أن كلمة ظلط كانت هي السائدة، حيث يقول الناس شوارع الظلط، ولم تكن ثقافة الأسفلت قد دخلت ليقولوا شارع الأسفلت- كما هو الآن- وبمناسبة ذكر هذا الشارع فإنه يحتاج الى تأهيل هو يحمل حمولة كبيرة من وسائل الحركة، ولكنه ظل كما كان يحتاج الى توسعة، ويحتاج الى قسمه الى اتجاهين، الناس في حيرة من سر بقاء هذا الشارع هكذا، وهو بهذه الأهمية، حيث يعبر مناطق مأهولة بالسكان، الصحافة والامتداد الديوم، بالإضافة الى ارتباطه بالميناء البري وجامعة السودان وجزء من السوق الشعبي. إن الوصول الى عناوين سكن المواطنين في العاصمة صعب جداً، فكثير من الشوارع بدون أسماء خاصة الشوارع الجديدة، والشوارع الداخلية، إنني دائماً أذكر مثالاً لمدى النظام والدقة في كثير من دول العالم، ففي إحدى زياراتنا للدنمارك أدهشتني إحدى الأسر بالبحث عن ابنها الذي استقر هناك منذ عشرة أعوام ولم يظهر وهم لا يعرفون عنوانه، لكنهم يعلمون أنه يعيش في العاصمة كوبنهاجن عاصمة الدنمارك، وعند وصولي استلم مني استقبال الفندق اسم ذلك دون أي عنوان، وفي دقائق معدودة ومن خلال جهاز كمبيوتر أمامه توصل الى مكان سكنه، وعنوانه، وتليفونه، ثم أعطانا إياه وتحادثنا معه تليفونياً والتقيناه بعد ذلك، تصور أن تبحث عن شخص في الخرطوم من خلال اسم فقط فهل تعثر عليه؟. حسناً فعلت ولاية الخرطوم بتكوين لجنة لتحديد أسماء الشوارع والمعالم وقد ضمت هذه اللجنة شخصيات قومية ومختصين في كل المجالات التاريخية، والتراثية، والوطنية، والفنية، والجغرافية، وضمت هذه اللجنة في عضويتها البروف يوسف فضل، والشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، والأستاذ عبد الله نيال، وزير الإرشاد الأسبق، ومرشح رئيس الجمهورية في الانتخابات الأخيرة من قبل حزب المؤتمر الشعبي، وآخرين ولكن حسب متابعاتي فإن هذه اللجنة رغم العمل الدقيق الذي تقوم به، إلا أنها قد تأخرت في الفراغ من أعمالها، وقد قارب عمرها الآن العام، ولكن اللجنة تدقق في عملها، وتخضع أي اسم مقترح لشارع أو معلم الى بحث شديد، حتى يتم الاتفاق عليه، علماً بأن الشوارع الرئيسية والفرعية بالعاصمة تبلغ الآلاف، مما يجعل اللجنة تلجأ الى تسمية الكثير من الشوارع الفرعية بالأرقام، ويتبع ذلك ترقيم دقيق للمنازل، حتى يمكن الوصول الى أي منزل بسهولة ورأيي وبعد إعلان الأسماء أن يصحب ذلك عمل إعلامي كبير حتى تصبح الأسماء أسماء حقيقية متداولة، بدلاً من حفظها في الورق كأسماء رسمية، إنني أتساءل متى تفرغ اللجنة من عملها وتعلن أسماء الشوارع والمعالم؟