ليس هناك أسعد للمرء من مجالسة العلماء والخبراء في مختلف التخصصات، لما يعود للإنسان من فوائد كثيرة يجنيها من هؤلاء من علوم ومعارف، والكثير من المعلومات التي لا تصدر عن أمثال هؤلاء إلا عند الطلب أو الضرورة.. فقد تم اختياري في لجنة من لجان ولاية الخرطوم في العام المنصرم، وأعيد تشكيلها هذا العام، لأن المهمة الموكلة إليها صعبة وتحتاج إلى الوقت والبحث والتدقيق، هذه اللجنة مختصة بتسمية معالم ولاية الخرطوم، وهناك لجنة أخرى بدرجة أعلى باسم اللجنة الموسعة لتسمية معالم الولاية.. هذه يرأسها وزير التخطيط والتنمية العمرانية بالولاية، والأخرى يرأسها البروفيسور يوسف فضل حسن، وكلا اللجنتين تنظران لذات الغرض، وتعملان في تناسق تام وكل منهما تضم المختصين الرسميين من المهندسين، واللجان الشعبية، وأساتذة التاريخ، والصحفيين، والعلماء، والعاملين بتوثيق الحياة السودانية، والشخصيات العامة. هذه اللجنة الفنية الأولى تضم بجانب البروفيسور يوسف فضل حسن وهو أستاذ ومؤلف كبير وباحث ومحقق لا يشق له غبار ولا تخطئه العين، ويدير أعمال اللجنة بحنكة وتواضع ورقة وغلظة أحياناً عندما يقتضي الحال ذلك،.. وهذه الصفات هي التي تحبب للإنسان المشاركة من قبل هذه اللجان المتعبة، لأنها لجان بحثية ومعظم موضوعاتها تحتاج إلى التحقق والدقة والمعرفة والتأكد، ثم الحساسية من الجانب الآخر، لأنها تتصل بالسابقين من السياسيين، والوطنيين، ورجالات المجتمع، والعلماء، والباحثين، والذين قدموا للوطن أعمالاً عظيمة تذكر ويذكرون معها.. وهذا هو مصدر الحساسية، مثل نسيان البعض بحكم أنهم رحلوا ولم يكتب عنهم الكثير، والسودانيون يتمتعون بالكثير من نكران الذات.. الإهمال.. التواضع.. وتسجيل الأعمال والكتابة، حتى تلك التي تعرف بالمذكرات الخاصة، وإذا كتبت فلا أحد يشجعهم أو يحفز الذين يسعون لتوثيق الحياة السودانية.. وأعمال هذه اللجنة تكشف هذه الجوانب المهمة.. حياة أهل السودان قديماً وحديثاً.. ولذا فإن هذه اللجنة تجد صعوبات كبيرة في هذه الجوانب المهمة من تاريخنا القديم والحديث معاً. اللجنة تضم إلى جانب قائدها البروفيسور يوسف فضل، البروفيسور الأمين أبو منقة، وهو واحد من أعلام الأساتذة بجامعة الخرطوم، وتضم الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، وهو شخصية معروفة بالكثير من الصفات أطال الله عمره، لنستفيد من علمه وخبرته وتجربته العميقة في العمل السياسي والصحفي، وتضم الدكتور عبد الله دينق نيال الأستاذ بجامعة جوبا، وهو كذلك يعتبر إضافة حقيقية لهذه اللجنة لمعرفته الصحفية بأعلام أبناء الجنوب من السياسيين والسلاطين، والأعلام من الذين قدموا للوطن أعمالاً خالدة.. وفي اللجنة الصحفي المخضرم عبد الله عبيد، كابتن فريق الموردة في الخمسينات، وأحد لاعبي المنتخب الوطني، فهو إذن بجانب ثقافته الصحافية لديه معرفة واسعة بأهل البقعة العاصمة الوطنية من فنانين، وشعراء، ولاعبين، بجانب معرفته بأحياء أم درمان وشوارعها الكبيرة، والفرعية، مما يعين على تخصيص وتسمية المعالم والطرق باسماء المشاهير من أبناء الوطن، واللجنة تضم أيضاً كادراً نشطاً من دارالوثائق والشرطة والمرور والصحافة والمهندسين بالمحليات.. وجميع أفراد هذه العضوية مهمين، لأن كل تخصص تحتاج إليه اللجنة التي تستعين أيضاً بأحدث التقنيات الهندسية في تحديد معالم الطرق في المدن الثلاث وأطوالها ومواقعها. على المستوى الشخصي استفدت كثيراً من مداولات هذه اللجنة، التي تتخذ من التحقق والتدقيق منهجاً لتسمية المعالم بولاية الخرطوم، حيث يتم تقليب صفحات التاريخ السياسي، والعلمي، والأدبي، والفني، والرياضي، أثناء تقديم المقترحات وتبادل المعلومات، فالزميل عبد الله عبيد مثلاً أشار على اللجنة بأسماء كثير من لاعبي الخمسينيات المختلفة وشاركته في بعضها، كما شاركت في تسمية بعض العلماء في المعهد العلمي والجامعة الإسلامية.. بل بعض شخصيات الإدارة الأهلية أمثال المرحوم الزبير حمد الملك أحد أبرز رجالات الإدارة الأهلية بالولاية الشمالية، والعمدة محمود الميرغني، بل قامت اللجنة بتسمية أحد شوارع أم درمان الطويلة باسم الملك بعانخي، وسوف تظهر حقيقة أعمال وجهود هذه اللجنة بعد أن توافق اللجنة الموسعة على مقترحاتها، تزين شوارع وميادين العاصمة باسماء المشاهير والوطنيين من أبناء السودان. الاجتماعات لا تخلو في بعض الأحيان من الطرائف في اللغويات، بجانب التوقف عند تأجيل بعض المسميات.. واذكر ذات مرة ذكر البروف يوسف فضل أحد الأسماء مقروناً بكلمة الأنقريابي.. فسألته هل هذه الكلمة نسبة للقبيلة أم للمنطقة؟ فأجابني بدبلوماسية بأنه أحياناً ينسب الناس إلى البلد.. فقلت له والله أعلم.. إن كلمة ( انقري) وتقابلها من الناحية الأخرى للنيل كلمة(ندى) في منطقة الرباطاب تعني (الأرض الخصبة) انقري.. وعكسها الأرض المالحة (ندى) كما أن هناك منطقة اسمها (مرى) وتعني المياه ( المقطوعة) أي لا حدود لها.. عميقة وهي كذلك باللغة النوبية القديمة.