في عام 1961، عندما نشر الكاتب الأمريكي إيرفنج ستون Irving Stone روايته الرائعة ( النشوة والعذاب) Agony and E) ، التي تحولت إلي فيلم سينمائي قام ببطولته الأمريكي شارلتون هيستون والبريطاني ريكس هاريسون عبر الفيلم عن إنفجار من المشاعر والنشوة الجامحة والعذاب الذي يولده الحب والعشق و التي تعكس الدرجة التي يمكن أن يصل إليها سمو الفن والإبداع الخلاق في إلهاب المشاعر والحواس الإنسانية ، قرأت ذلك الكتاب في نهاية الثمانينات عندما وجدته في إحدى المكتبات، ويبدو أنه قد وجد طريقه إلي الخرطوم داخل حقيبة أحد القادمين الأجانب، ثم قام بإهدائه أو بيعه ضمن مجموعة للمكتبة التي وضعته ضمن معروضاتها. الرواية تصور المعاناة والعذاب المختلط بالمتعة والحب والعشق للفن والجمال الذي كان يمارس به الرسام والنحات مايكل أنجلو عمله عندما كان يرسم لوحاته التي تعد من عجائب الدنيا على أسقف وجدران كنيسة سيستينيا ، وزخرفة الكنيسة البابوية في الفاتيكان في لوحاته المعروفة(قصة سفر التكوين كما وردت في الإنجيل) وهى مهمة إمتدت لأكثر من أربعة سنوات ، وأذكر أننى قرأت تلك الرواية ثلاثة مراتٍ متتالية وكانت المتعة تتضاعف مع كل مرةٍ. المتعة والجمال والنشوة تكررت بصورة مماثلة يوم الاثنين 7/5/2012، في ليلة من ذات الليالي في المنتدى الإسبوعي للنادي العائلي بالخرطوم، بحضور الدكتور السفير عبد الكريم الكابلي، الذي تحدث مقدماً لوحةً تجمع بين المعنى العميق وجمال الصورة ووضوحها. وحي الخرطوم(1)يضم منذ نشأته في نهاية الأربعينيات ، بعض رموز هذا الوطن الذين رحلوا عن دنيانا ، الشيخ مصطفى الأمين ،الدكتور عبد الحليم محمد ، رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد محجوب ، محمد حمد النيل أول سفير سوداني ، السيد نصر الحاج علي أول مدير سوداني لجامعة الخرطوم 1958، السيد سعد أبوالعلا ، السيد أحمد مكي عبده أول مدير لمديرية الخرطوم، السيد صالح بيومي والد العميد حسن صالح بيومي ، المهندس حامد شداد والد د. كمال شداد، السيد داؤود عبداللطيف والد السيد أسامة داؤود، السيد إبراهيم المفتي ومن أشهر سكان الخرطوم (1) مولانا السيد محمد عثمان الميرغني قبل أن ينتقل إلي الخرطوم بحري، ويقابل حي الخرطوم (1) حي الخرطوم (2) من الناحية الغربية ، وبه أيضاً بعض رموز السودان مثل آل إبراهيم أحمد ،آل طلعت فريد، آل ميرزا، آل مصطفى خليل ،آل علي حسني، آل جابر أبو العِز ،والسيد عزالدين السيد ، وآل مأمون بحيري ، وآل الشيخ علي عبد الرحمن ، وآل أبو العلا وأحمد عبد الكريم ، وآل علي ومحمد الحسن عبدالله، وأسرة عبد الحميد تميمي، وأسرة سامي دلال، وآل أحمد يوسف هاشم(أبو الصحف)، وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرهم ، ويضم الحي الآن بعض رموز الصناعة والتجارة في السودان مثل آل بشير النفيدي ، وآل أبراهيم مالك وطبعاً الوجيه أسامه داؤود، وبالرغم أن هذا الكرنفال من الأسماء التي برقت في سماء السودان ، إلا أن عميد الفن أحمد المصطفى أنشد أغنية «سميري المرسوم في ضميري »للخرطوم (3) المجاورة من ناحية الغرب لحي الخرطوم(2)، عندما قال :(أنا دستوري نازل في الخرطوم 3)، كما أن الكابلي نفسه سكن في فترةٍ من حياته في الخرطوم 3، عندما كان« نوم العين سهر»، والكابلى معروف أنه يعشق الجمال وموطن الجمال ، ولكن يبدو أن ود مدني الآن أيضاً تنافس الخرطوم. كانت بحق ليلة تجلى فيها الجمال والإبداع والفن الراقي الرفيع ، تحدث فيها الكابلي عن التراث والثقافة السودانية في كبسولاتٍ ذاتَ دلالاتٍ عميقة وتبسيط وانسياب جذب الناظرين والسامعين، والكابلي عندما يتحدث لا تملك إلا أن تنصت إليه بكل عقلك ووجدانك وتجد نفسك تذوب في حلاوة وطلاوة مفرداته المنتقاة بدقةٍ وتأمل قبل أن يرسلها في الهواء، فتستسلم لها الحواس دون مقاومة، كانت بحق ليلة رائعة وبرنامجاً فوق العادة في النادي العائلي، غنى الكابلي وأطرب الحضور حتى الثمالة، وتحدث فأدهش الناس بتواضعه وبعلمه ومعرفته الثرة الوافرة عن التراث وتاريخ الأغنيات التراثية. وفي النادي العائلي زاد من رونق وبهاء الليلة حضور مقدمة البرنامج الحسناء التي وصفها الكابلي بالجميلة ، والتي سبق أن لفتت إنتباه الكثيرين بحضورها وأدائها المتميز الهاديء الرزين وشخصيتها الثابتة القوية الواثقة و النافذة، وبديهيتها وتلقائيتها في غير تكلفٍ أو تصنع ، طريقة نطقها واضحة، وحروفها سليمة ولديها ديناميكية في الأداء واللفظ، وإستطاعت أن تثبت أنها يمكن أن تتسلق إلي القمة بسرعة الصاروخ، وواضحٌ أنها تحب عملها وهذا من شروط الإذاعي الناجح ، ولا أدري لماذا لم تختطفها فضائياتنا الرئيسية حتى الآن، بالرغم من ملامح نجوميتها المبكرة ، ولعل هذا من محاسن بعض هذه المنتديات التي تبرز فيها أحياناً مثل هذه الوجوه والأداء الذي لا يتكرر كثيراً عندنا فى محطاتنا الفضائية. فى أعتقادي أن ليلة الكابلي في النادي العائلى التي رعتها الشركة السودانية للهاتف السيار( زين) قد مثلت نقلة كبيرة في تاريخ النادي، خاصةً وأنها قد حظيت بحضور بعض قادة العمل السياسي والأعلامي ونجوم المجتمع ، مثل الإمام الصادق المهدي ، ود. محمد عوض البارودي وزير الثقافة بولاية الخرطوم ، والسيد السماني الوسيلة وزير الدولة بالخارجية السابق ومستر كمال أبوسن والسفير عباس المعتصم والسفير جمال إبراهيم والفريق عمر قدور والفريق د. كمال عمر والفريق د. كمال علي صالح ود. ميرغني وصفي ، وأكدت شركة زين أنها بحق الداعم الرئيسي للفكر والثقافة والإبداع في السودان ، وأن الذين يديرونها وعلى رأسهم الفريق طيار الفاتح عروه الذي هو نفسه لوحة مزركشة من المهارات المتعددة فهو عسكري وطيار ودبلوماسي وإداري ورجل مهام صعبة، ولا شك أن ( زين ) لديها فريق يفكر ويعمل وينفذ بعقلية عصرية ويهتبل الفرص في اللحظة المواتية ، وأنها شركة منفتحة على مجتمعها وبيئتها المحيطة ، وهذا هو ديدن الشركات الناجحة في العالم ، التي تساهم في دعم مختلف الأنشطة الثقافية والتعليمية والبيئية والثقافية والفنية ، إنها بالفعل عالم جميل مزخرف زاه بالألوان، وفى حفلة النادي العائلي وبحضور الكابلي والحسناء الجميلة وعالم زين ، اكتملت بهجة الجمهور وازدانت قاعة النادي بلوحةٍ خلقت جواً من المتعة والطرب النادر في هذه الأيام. ولابد أن نقول لشركة زين على طريقة إعلان إحدى شركات الإتصالات الشهير في الفضائيات المصرية، شكراً شكراً شكراً على استجابتها السريعة والفورية لإقامة الحفل ، وشكراً شكراً شكراً لرعايتها للحراك الثقافي والفني في هذا البلد ، وشكراً شكراً شكراً للنقلة المذهلة التي حققتها في قطاع الإتصالات في السودان. ولكن ونحن في حضرة النادي العائلي بالخرطوم ، لابد من القول أن الشأن الثقافي في هذا البلد ليس مسؤلية شركة ( زين ) وحدها ، فهناك غياب وإهمال لهذا القطاع من جانب الدولة ، والمشكلة كلها تكمن في القصور المالي الذي يعاني منه قطاع الثقافة والإعلام عموماً، ولابد للجهات الرسمية من أن تعين مثل هذه المنتديات بصورةٍ محسوسة وقوية ، كما أن على القطاع الخاص أن ينهض بدوره في هذا الجانب ، خاصةً مؤسسة مثل النادي العائلي الذي يعمل تحت مظلة الجمعية الخيرية للخرطوم 1/2 ، حيث يوجد مقر إتحاد الصناعات السوداني والعديد من الشركات الكبرى ، وهى منطقةٌ أنعم الله عليها بعدٍد كبير من رجال المال والتجارة والصناعة ، بل أن معظم هؤلاء من الذين يسكنون هذه المنطقة أو لديهم أملاك وعقارات فيها، وكما يدعمون نفرات الولاية والحكومة عندما يتم إستدعائهم ، عليهم أن يقدموا طواعية دعمهم لهذا النادى وأنشطته المختلفة. حتى نهاية الثمانينات كانت منطقة الأندية فى الخرطوم (1) تضم النادي العربي(المصري) والنادي الكاثوليكي ، والنادي الإيطالي، ونادي أبولو( العائلي حالياً) والنادي السوري، وكانت هذه الأندية مفتوحة لكل السودانيين وليس الجاليات فقط ، ولم يتبقى منها إلا النادي السوري الآن ، وقد مارسنا فيها لعب الكرة الطائرة وكرة السلة ولعبة تنس الطاولة والسباحة خلال يومي الخميس والسبت ، لأن عطلة نهاية الإسبوع في مدارس كمبوني كانت الجمعة والأحد ومن خلال هذه الإندية سبق للسودان أن تأهل إلى منافسات دولية ، وكان بها نشاط ثقافي وإجتماعي ضخم وكانت أندية عائلات بحق على نمط نادي الجزيرة ونادي الصيد الملكي بالقاهرة ، بالرغم من صغر مساحتها مقارنةً بأندية القاهرة ، وشاهدنا فيها فرقة أضواء المدينة وصباح وشادية ومحمد عبد المطلب ولم نبلغ سن الرشد. أعتقد لابد لأهل منطقة الخرطوم 1/2 ، من إعطاء مزيد من الإهتمام لهذا النادي وأنشطته ، حتى يتم تلافي القصور والصعوبات التي تواجه بعض الفعاليات في بعض الأوقات وحتى يتحول إلي نادي عائلي بحق. ولابد من الإشارة هنا، لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله ، وأن كل الفعل الذى تم خلال حفلة الكابلي الأخيرة قام به كل من الأخوه عادل جابر أبو العز، وأبوبكر وزيري و شنان حسون، ولولا جهدهم وحرصهم على قيام المناسبة في موعدها بسبب إرتباطات الكابلي الكثيرة داخل وخارج السودان ومشكلات أخرى ، لما أمكن للحفلة أن تقام فى موعدها ، وقد قاموا نيابةً عن لجنة النادي بتفادي كل أوجه القصور والمشكلات التي أوشكت أن تعيق وتعطل المناسبة ،وتجاوب الكابلي مع حب الناس القالوا هو ولم يقل أنا شن أسو. عميد كلية الإعلام جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا