في أي قرار أممي موجه للسودان نجد الآتي: 1- تمرير مصالح الخصوم. 2- محاكمة الثقافة الدينية باستغلال نقاط الضعف في الثقافة المحلية كالأقليات والمرأة. 3- تفتيت كيان الدولة وتكبيل حتى الأجيال القادمة. 4- استثمار أخطاء الحكومة. 5- استفزاز المشاعر الوطنية حتى للمعارضة كالبند السابع، والمدة المفتوحة والتقارير الدورية. القرار 2046: لو أخذنا مثلاً آخر القرارات، سنجد أنه في ضربة واحدة أحيا القرارات القديمة التي صدرت قبل أكثر من عشر سنوات، وأثبتت تلك الاتفاقيات التي أبرمت على يد «د. نافع حقار»، في أديس ابابا، وكان قد تنصل منها المؤتمر الوطني، وقد كان هذا مطلباً جنوبياً لإيجاد ملاذ آمن لقوات «قطاع الشمال».. زاد القرار من تحقيق مطالب الجنوبيين وكان أخطرها ذكر «الحركة الشعبية- قطاع الشمال» بالاسم، ألزم القرار الدولة في الشمال للجلوس مع هؤلاء رغم أنهم كانوا يرفضون ذلك، عن طريق الوسطاء، باعتبار أن المتمردين من داخل السودان!! ولكي لا يبقى للسودان الشمالي شيء، فقد نص القرار على موافقة دول الإيقاد على نتائج الاتفاقيات، وهذا أمر كان يرفضه السودان الشمالي أيضاً، في هذه البنود تم شبه اعتراف أممي بحركة شعبية ستبقى شوكة في خاصرة الدولة في الشمال، وفي هذا استثمار لإحدى الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها «الإنقاذ» في نيفاشا، وهو القبول بحكاية «المشورة الشعبية» التي أخذت الآن قفزة نوعية. إذن تم تثبيت الأخطاء وغرس نتائجها السيئة لتبقى مع الزمن قنبلة موقوتة، ستدفع ثمنها الأجيال، كما دفع هذا الجيل أخطاء جيل الاستقلال. هذا القرار تمهيد لقرار قادم سيعترف بشكل أو بآخر بنوع من الحكم الذاتي، للنيل الأزرق وجبال النوبة، كما فيه تمهيد لتدخل دولي مسموح له بالبند السابع أو بحجة الإنسانيات. في غياب المراجعة والمساءلة، تمت إعادة إنتاج الخطأ نفسه في قضية أبيي، أمام إصرار المندوب الأمريكي تم قبول لجنة تحكيم أغلبها من دول غرب أوربا ومعهم أثيوبيا، أحكام هذه اللجنة هي التي استندت عليها محكمة لاهاي فيما بعد، عندما أحالت مشكلة أبيي من نزاع قبلي الى مشكلة «أرض» ، وبهذا تم التنازل العملي عن قطعة أرض عزيزة على الوطن . *** هذا القرار أدان احتلال هجليج، ولكنه أبطل مفعوله بإدانة لرد الفعل «قصف طائرات» ومن المضحك أنه في فقرة أخرى برأ الجانب الجنوبي، بل وأشاد بانسحابه من هجليج!! وهو هنا يرسخ تكذيب دعاوى الشمال أنه أخرج الجنوبيين بالقوة. *** يعيد تأكيد القرارات القديمة لإعادة استهلاكها في الأزمة الحالية مثل: قرارات حماية المدنيين- وموظفي الأممالمتحدة- المرأة- السلام والأمن هنا يطالبون بنفس الآليات التي بها استطاعت الأجهزة الاستخباراتية دعم التمرد في جنوب السودان، يريدون بها الآن دعم متمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وعلى ذلك هناك أمر ملزم على السودان أن ينفذه بالقوة، وهو الجلوس مع حقار تحت رعاية خارجية، وتنفيذ منطقة منزوعة السلاح وهو من مطالب حقار والجنوبيين، والمقصود به ترك ساحة خلفية آمنة ليعيد التمرد تنظيم نفسه. هذا القرار لم يعط شيئاً للسودان الشمالي سوى حفنة دولارات، ربما ستحكم بها لجنة محايدة في أضرار هجليج، هذا، إذا لم يبطل مفعوله بتعويض مقابل عن خسائر الضربات الجوية. *** يعتريني إحساس أن هذا القرار كان في الأصل مسودة تفاوض، رفع الأمريكان سقفها، ولكن الأطراف الأخرى لم تشأ أن تقرأ أو تتفاوض لكثرة تفاصيلها أولاً، وعدم جدية الحكومة السودانية في مجابهته ثانياً. لهذا تم تمرير القرار كما هو!! والمضحك أن الأمريكان بعد أن مرروا القرار بدأوا في تصريحات مستفزة للبشير ليسجل ردود فعل رافضه وهذا بالضبط ما حدث!! إذن هذا القرار بامتياز قرار«حقار حلو» وهو شأن القرارات القديمة تمهيداً لقرارات أخرى، لتثبيت نوع من الحكم الذاتي، وهي بالفعل اتساع لدائرة حدود دولة الجنوب التي بلغت الآن سنار. ولا أدري في مسرح اللامعقول «الإنقاذي» هذا، كيف نفهم ما تقوله وزارة الخارجية السودانية أن القرار في صالح السودان الشمالي- المضحك الذي يبكي أنهم يقولون ذلك لأنهم سئموا من حمل «وش القباحة» في المحافل الدولية ويريدون شيئاً ليقنعوا به الرئيس «وناس» البرلمان ولكن.. والآن ما هو موقف السودان؟! وزارة الخارجية تقبل وتتحرك في المحافل الدولية، كمن يمشي فوق قشرة بيض، مكشوفة الظهر، قد يأتي تصريح من الخرطوم تدمر ما صنعوه في ثوانٍ معدودة. السيد الرئيس يرفض في الجانب الإعلامي ولا يمانع في توزيع الأدوار ! والبرلمان «أطرش زفة»، يصفق للرئيس وأحياناً يزايد بالتصريحات النارية. أما هذه القرارات فقد أصبحت واقعاً لا يملك أحد من السودانيين رده، لا بالقوة ولا بالحيلة، انتصر الجنوبيون في الأممالمتحدة بمساعدة أمريكا ولا يفيد ما يقال عن انتصارات عسكرية، فحركة التاريخ تجاوزت الحلول العسكرية..!! ولكِ الله يا أيتها الأجيال القادمة!!