تصدر محكمة جنايات القاهرة اليوم السبت الثاني من يونيو 2012م برئاسة القاضي أحمد فهمي رفعت، حكمها التاريخي فيما عرف (بمحاكمة القرن) على الرئيس المصري السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وابنيه علاء وجمال وستة من كبار مساعديه بتهم استغلال النفوذ وإهدار المال العام بالإضافة إلى تهم قتل المتظاهرين العزّل خلال المظاهرات التي دعت لتغيير النظام العام الماضي.. إن أقدار الله الغلابة جعلت ميقات قرار المحكمة يتزامن مع صعود نجم الإخوان المسلمين ألد أعداء النظام البائد واقترابهم من كرسي الرئاسة المصرية ليكونوا بحول الله هم الوارثين.. فيا سبحان الله القادر الذي أتى بهم كما أتى بجدهم يوسف عليه السلام من السجن إلى القصر.. من كان يتصور أو يرجو ذلك مع سطوة النظام وقهره وجبروته الذي جعل الشعب المصري منذ خمسين عاماً يستبدل حرف «النون» خاصة في كلمة «أخوان» ليصبح تاءً فيقولون (ما نحن أخوات) حتى لا يقعون في المحظور.. فقد أذن الله الآن «للنون» أن تعود وأذن (لذي النون) أن يعود ويسود. وقد سبق الربيع الإسلامي المعاصر في بداية هبته المباركة أن يهب لتونس الخضراء... مجدها التليد وعزّها في العلم والدين، فينهض حزب النهضة من جديد ليقول الطريق هاهنا وينطلق قادته من السجون والمنافي إلى المنابر والقصور.. تونس التي قام فيها بعيد الاستقلال الفاجر العجوز أبو رقيبة فمنع الآذان للصلاة بالمساجد ثلاثين عاماً قبل أن يتسلم تلامذته رقاب الناس هناك فيا سبحان الله.. ومضت على الدرب ليبيا التي ظن الفرعون الذي طال مكثه على صدرها أنه باقٍ ما بقيت الدنيا وأن التغيير أكبر خرافة وأنه وكتابه الأخضر إله جديد وملك حديد حتى دبَّ اليأس في نفوس المصلحين ولكن لجباري الأرض موعد مع جبار السموات والأرضين.. وهل يشقى اليمن الذي كتب عليه أن يعيش سعيداً وقد انبلج الفجر، فدفع بمراكب الشهداء والفداء فكتب الله لشعبه النصر المبين بعد أن ظننا كل الظن أن أهل اليمن ربما لا يطيقون النهوض ومبارحة صالونات مضغ القات وتدخين الشيشة، تلك العادة - طعمة المستعمر المسمومة - التي حبست أكثر الشعوب العربية رشاقةً ونشاطاً عن دائرة الإنتاج المحلي والفعل الوطني. أما سوريا «فعظم» التحدي هناك وشراسة المعركة تدل على «عظم» ما يأتي بعده من فوز وانتصار على باطل طالما تمكن سنين طويلة قدم خلالها أسوأ أنواع التنكيل والإذلال لشعبه خاصه الدعاة والمصلحين.. إن المشاهد التي أدمت القلوب وجرحت كرامة الأمة جمعاء وكسرت خاطر الإنسانية كلها لم تكن إلا نقلاً لما كان يتم في الخفاء بالسجون والمعتقلات إلى العلن. إن نهاية الطغاة ومصارعهم هناك قد باتت وشيكة بعد أن سكب الله ماء الشجاعة في قلوب أبناء سوريا فأوفى بثمن الفداء والحرية. ورحم الله القائل: وللحرية الحمراء باب بكل يدٍ مُضرجة يدق أخي القاريء إن الاستعمار الحاقد لما انصرف عن بلاد المسلمين منكسراً أوكل أمر البلاد الإسلامية لجماعة من المثقفين الحائرين الذين صنعهم على عينه وأرضعهم من ثديه فكانوا وكلاء للاستعمار في بلادهم بعد رحيله.. تلك الجماعة التي ادعت أن الإسلام تراث من الماضي السحيق يوضع في متحف الأفكار والديانات وأنه لا يعدو أن يكون نظام قوم بادين كانوا يعيشون في الخيام ويرعون الأغنام... ولكن الإسلام ومناهجه الشاملة التي تتربص بواقع حياة الناس، والمستمدة من كتاب الله وسنة رسوله ما ينبغي أن يتعلمه أبناء المسلمين. أما الإسلام كنظام حكم ودستور سياسة ومنهج تربية وسلوك فذلك ممنوع ممنوع، أما الجهاد في سبيل الله ونصرة المستضعفين فذلك إرهاب في شرعة االنظام الاستعماري الجديد.ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ويأبى الفجر الصادق إلا أن ينبلج مهما تطاول الليل البهيم. إن التحدي اليوم على الحكام الجدد ورثة الحق والإسلام أن يتعلموا ويمتثلوا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم والسياسة الشرعية... منهجه في إقامة العدل وبسط الحريات وإفشاء الشورى وحمل الناس على الحق بحسن الخلق ولين الجانب والقدوة الحسنة وحذاري من البطر والخيلاء أو إفساد التجربة بالتنطع والتشدد ونقص الخبرة أو الانحراف عن منهج الاعتدال بالتهور وعدم التبين والانشغال بصغائر الأمور ومحقّراتها دون الكليات والأهداف العظمى.. «ونواصل».