الجو يعبق برائحة الدخان المتصاعد في الغرفة... الأجساد منهكة مكدودة.. والعقول متحفزة متوهجة .. كتلك المصابيح التي تنير حديقة المنزل الذي اجتمع فيه القوم.. بحثاً عن تلك المتعة الزائفة حول المائدة التي تبتلع أموالهم وأحلام بعضهم كل ليلة..!! الليل في ثلثة الأخير.. وقد أخذته سنة من نعاس... الطرقات خابية الضوء .. ناعسة الطرف.. خالية إلا من صفير الريح!! أوقف «نادر» عربته أمام منزله الضخم.. فأسرع الخفير يتعثر في جلبابه بعد أن قطع سباته صوت عربة سيد الدار..!! استيقظت «إلهام» على حركته وهو يبدل ملابسه فنظرت إلى الساعة باستياء، وقبل أن تتفوه بكلمة قال بحزم.. وطعم الخسارة المر.. لا يستطيع أن يتجرعه.. «لا أريد أي نقاش.. مزاجي لا يسمح بأي كلمة.. اتركيني أنام»..!! صمتت «إلهام» وقلبها يغلي كالمرجل.. ارتمى على الفراش.. وسرعان ما علا شخيره... أما هي فقد استسلمت للألم.. والمرارة.. وتقييم حياتها.. «إن زوجها يعود كل يوم من عمله بعد آذان المغرب ولا يبقي في المنزل إلا بمقدار.. أن يتناول طعامه ويبدل ملابسه.. ثم يسرع لأصدقاء المائدة التي أدمنها .. ويعود بعد أن يقارب الليل يخلي ساحته للضياء.. لينام حتى قرب منتصف النهار.. ليستيقظ ويذهب إلى عمله..!» لا حياة أسرية.. ولا دفء .. ولا اهتمام بالأبناء.. لا وقت لتربيتهم أو حل مشاكلهم «إن المدمن دائماً تتحكم به الأشياء ولا يستطيع أن يتحكم هو في أي شئ»..! كان لنادر ابن هو الأكبر.. يقف على أعتاب المراهقة.. لكنه لم يحظى منه بأي توجيه أو اهتمام..! إن متعة الأب الوحيدة في الحياة هو الجلوس لتلك المائدة ...والفوضى في دوامة الإدمان..» إذا خسرت فأنك تعود بدافع الكسب والتعويض.. وإذا كسبت فإنك تبحث عن ذات اللذة التي وجدتها للانتصار..! وهكذا تتبدد الأموال والوقت.. وتضيع كثير من ملامح الحياة ويتحلل المقامر من كافة المسئوليات إلا مسئوليته تجاه أوراقه التي تحرق الأعصاب.. تفرح .. تحزن.. وتسيطر على مجريات حياتك..!! كم من مائدة أهلكت مالاً لبداً.. وفرقت بين أسر مترابطة.. وأسالت دماء.. أليست هي رجس من عمل الشيطان..! «هاني» الابن الأكبر كان يعيش بلا رقيب.. الأم لا تستطيع وحدها كبح جماح شبابه.. أما القدوة التي يستقي منها القيم والأخلاق مشغولة طول الوقت بلعب الميسر وجمع المال لتبديده.. بلا طائل..! خرج «هاني» من النادي ومعه شلة من الأصحاب رقم هاتف أمه الملحاح في هاتفه الجوال يسبب له الإزعاج.. هي قلقة لأن الوقت تأخر.. أغلق الهاتف ففي السهرة بقية .. جلسوا في السيارة وتعاطوا المخدر.. وحلق بهم في دنياوات الوهم الكاذبة.. طلب أن يقود سيارة صديقه «دون أن يجيد حتى قيادة نفسه» السيارة تطير بجناحينها.. محلقة نحو العدم.. صوت الارتطام العنيف أيقظ النيام.. سيارة الإسعاف تحمل الجثث.. بعد أن لطخت الدماء الشابة الأسفلت.. إلهام .. تحاول في الهاتف.. «نادر» لا يمكن الوصول إليه لأنه في دنيا بعيدة.. وهاني.. في عوالم أخرى.. مخبوء خلف حجارتها الموت الزؤام... «نادر» يضحك ويفرد أوراقه على المائدة التي تسربل اخضرارها احمراراً.. ويصيح بأعلى صوته.. بَصَره..!..