صديقنا العزيز يهاتفنا بعد منتصف الليل ويلح علي أن أنتظره خارج البيت فالرجل بصوته المتهدج لديه شكاية ما يريد أن يدلقها في وجه أي إنسان والسلام، صديقي يقطع الطريق من منزلهم بسيارة متهالكة يسعى بها على رزقه طوال النهار والذي غالباً وكثيراً ما تؤوب خائبة، أنوار سيارته الشحيحة تكشف شارع منزلنا على استحياء ويتوقف ويلقى السلام بأنفاس متقطعة ثم يخفي وجهه فوق مقود القيادة ويمد لي بيد مرتجفة رسوم تسجيل أبنائه الخمسة في المدارس المختلفة، المبلغ المطلوب يتجاوز الأربعة ملايين بالقديم، حاولت أن أداعبه لإخراجه من هذه الحالة أولاً فقلت له ولماذا أنجبتهم خمسة من أصله. ضحك فجأة وقال هل تريدنى أن أعمل لهم تخفيض دستوري؟ ضحكنا بصوت عالٍ خفنا معه أن يسوق لنا الشبهات فى هذا الليل البهيم فصمتنا نحدق في الأزمة باتساع أكبر من دائرة صديقنا (نادر). نعم فالأزمة قبل سنوات كانت تمضي بطرقات البعض فقط وبعيداً عن بيوتهم، ولكن وفي ظل هذه الأوضاع المتلاطمة فالأزمة تقتحم على الجميع دورهم وتقف عند رأسهم وترش في مخادعهم حفنة من الشوك يصبح معها الظفر بالنوم ولو لساعات أمراً صعب المنال. ورجل بسيط شديد الوثوق بكلام الوزراء والمسؤولين وشديد التصديق فيما تنقله الصحف من أقوال وتصريحات، حمل العام الماضي أوراق أحد أبنائه لتسجيله في مدرسة حكومية معروفة، ولكنه تفاجأ ببعض المطالب المالية من قبل المديرة، الرجل وفى ثقة هاني رمزي في فيلم (عايز حقي) وهو يتحدث إلى صاحب الفندق باعتبار الفندق يقع ضمن مرافق الملكية العامة ويريد أن يقيم فيه طقوس زواجه بالمجان، الرجل رفض أن يدفع أي مبالغ استناداً على تصريح الوزير في الصحيفة والتي كان يتأبطها بيساره ودفع بها للمديرة التي انتهرته بعنف طالبة منه الخروج. فلما لوح وهدد بشكايتها للوزير أغرقته في بحر من السخرية وهي تسأله وهل تدري مكان الوزير أم ندلك عليه؟ وهل لديك ما يوصلك إليه من مال عبر المواصلات أم نتبرع لك به، الرجل ألجمته الدهشة والخوف والشك من كل شيء يلفه الآن فى مكتب المديرة، نعم مسؤولو المدارس المختلفة يمررون قراراتهم المتعلقة بالرسوم وهم على كامل الثقة أن أحداً لن يتعرض لهم من المسؤولين.. وهذا بسبب أن هؤلاء المسؤولين لا يتبرعون بشيءٍ غير التصريحات النارية ضد مسؤولي المدارس ثم لا يدفعون حق الطباشير لهذه المدارس!!!. السيد وزير التعليم الولائي يشتهي أن يترك بصمته الخاصة في الوزارة، نحن لانعرف الرجل عن قرب إلا ثناء بعض الذين يعملون معه في الوزارة عن جهده ومثابرته، ولكننا نقول له بإشفاق إن البصمة الوحيدة التي يستطيع تركها من خلفه هي أن ينشر استقالته في الفضاء العريض ويسببها بكل وضوح ليعرف بعض ذوي الأطفال المتسربين من التعليم الأولي بسبب العجز المالي، أن وزيراً في الدولة استقال من أجل خواطرهم الكسيرة.