في فرنسا ثار مؤخراً جدل حاد حول تسليح الشرطة.. الشرطة الفرنسية المخصصة لفض أعمال الشغب لا تزود بسلاح إلا في الأحوال الطارئة وتحت رقابة دقيقة.. الحكومة قدمت مقترحات حول تكثيف أفراد الشرطة ليتعامل ثلاثة من العسكر مع كل حالة.. تم استثناء الشرطة التي تعمل في الضواحي النائية بتزويدها بعصي كهربية محدودة التأثير. عند العاشرة من صباح الأمس ذهبت مع الزميلة فاطمة أحمدون والمصور سفيان البشرى لتغطية وقفة احتجاجية أمام وزارة الأوقاف بشارع النفيدي بالخرطوم شرق.. أسرة المواطن خالد سليمان مدير الأوقاف السودانية بالمملكة السعودية كانت تحتج على اعتقال رب الأسرة لمدة تجاوزت الأربعة أشهر على خلفية مخالفات مالية.. تحدثت إلى الفريق الصحفي مذكراً لهم بمباديء المهنية التي تحصر دورنا في مراقبة الأحداث ورصدها ثم عكسها للرأي العام. عندما وصلنا إلى مسرح (العمليات) وجدنا أرتالاً من الشرطة تفوق عدد المحتجين.. ابتدأت مهتمي بالحديث إلى قائدي القوة العقيد سامح حريز والعقيد عماد الصديق.. سألتهما عما يحدث فأشارا لي بالحديث للمتظاهرين.. قبل أن أصل وزميلتي فاطمة إلى حيث المظاهرة.. كانت (بساطين) غليظة تهوي علينا من كل الجهات.. لم تشفع لنا صرخات أننا صحافة.. بل كانت تزيد من الضرب المبرح. بعد الجلد.. تم إجلاسي قسراً داخل (بوكس) الشرطة.. ممنوع التحدث عبر الهاتف.. أحد المحتجزين المغضوب عليهم كانت تلاحقه الاعتداءات حتى بعد أن دخل جوف العربة. الآن نحن في الحراسة.. من غرائب الصدف أن التلفاز كان يعرض فيلماً أجنبياً تتعامل فيه الشرطة بإنسانية مع بعض المواطنين.. طلبت من الشرطي المتواجد في (كاونتر) البلاغات أن يغير القناة حتى لا نشعر بالمهانة والمذلة.. جاء دوري في التحري قلت لهم اسمي مواطن مقهور.. لا أنتمي إلى قبيلة بعينها.. ووطني السودان.. ومهنتي صحفي.. غضب المتحري من رجل لا يحمل بطاقة قبيلة . رفاق الحبس محمود عادل طالب بكلية الطب بالكلية الوطنية.. محمود لا علاقة له بالمظاهرة كان يقف أمام منزله حينما داهمته الشرطة.. أخبرهم أنه اليوم على موعد مع الامتحان عند الثانية ظهراً.. أما الشاب محمد يحيى فرأيته ينزف دماً من أعلى كتفه.. آخرون لم أعلمهم ولكن الشرطة تعلمهم كانوا معنا في القفص. بعد قليل نادى الشرطي على اسمي وأخذني إلى رئيس القسم.. ذات الرجلين اللذين كان عليهما تفريق المظاهرة بالعنف.. العقيد سامح حريز وأخوه العقيد عماد صديق.. حديث طيب واعتذار بعد الضرب بحجة أنني لم أبرز هويتي الصحفية حينما تحدثت إليهما في مبتدأ مهمتي.. منطقي لا يجب أن توفر البطاقة الصحفية حصانة للمواطن وإنما يجب أن تكون إنسانية المواطن من تحرم دمه وتصون عرضه من سياط الشرطة. لأنني صحفي خرجت من الحبس.. لا أدري إن كانت النيابة قد أمرت بفك قيدي.. أو أن كبيراً لا يريد الحرج أمام قبيلة الصحفيين قد وجه بالإفراج عني.. المهم جداً أن زملائي في الحبس طلب منهم الحضور إلى محكمة القسم الشرقي صباح هذا اليوم. عندما كانت سياط الشرطة تهوي على جسدي.. تذكرت مقولة الأديب الطيب صالح حينما قال: (أنتمي إلى أمة مقهورة). ليت الشرطة تعتذر هذه المرة لاستخدامها العنف المفرط ضد شعبها المسالم.