كان زميلنا المصور الصحفي سفيان البشرى هو أول من أبلغني بنبأ اعتقال الشرطة لزميلنا الأستاذ عبد الباقي الظافر وتعرض الزميلة فاطمة أحمدون للضرب، عندما شاركا في تغطية الوقفة الاحتجاجية لأسرة المواطن خالد سليمان أمام وزارة الأوقاف بشارع المرحوم بشير النفيدي في الخرطوم.. على الفور أجريت اتصالات مع قيادات رفيعة داخل الشرطة لإطلاق سراح الزميل الظافر لعلمي ويقيني التام بأن الشرطة السودانية تتعامل تعاملاً خاصاً مع الصحافة والصحفيين، ولأنها مؤمنة بذلك على مستوى قيادتها فإنها وضعت رجلاً يحمل كل مؤهلات رجل الصحافة والإعلام، ويحمل مع ذلك رتبة اللواء، على رأس إدارة الإعلام والتوجيه، هو زميلنا وصديقنا السيد اللواء السر أحمد عمر. لم يخيّب قادة الشرطة أملنا فيهم، وقد تحدّث إليّ من داخل قسم الشرطة زميلنا الأستاذ الظافر، وقال لي إنه الآن داخل مكتب العقيد سامي حريز رئيس قسم شرطة الرياض، فأخبرته بأن إطلاق سراحهم سيكون قريباً.. وقد تم ذلك بالفعل. سألتُ أخي وزميلي الأستاذ الظافر إن كان قد عرّف نفسه عندما وقف أمام العقيد سامي، قائد قوة الشرطة، فقال إنه لم يعرف نفسه، بل سأل السيد العقيد سؤالاً مباشراً عما يجري هناك، فأجابه الأخير بأن عليه أن يسأل أولئك الذين تجمهروا في ذلك الصباح. علمتُ من قائد القوة- لاحقاً- وهو السيد العقيد سامي حامد أحمد حريز أنه وجه بفض التجمع سلمياً وعدم إلقاء القبض على أي امرأة أو طفل. أحد الجنود الذين كانوا ضمن القوة، استخدم قنبلة مسيلة للدموع اجتهاداً منه في منع التجمهر وتفريق المحتجين، وقد وجه قائد المجموعة بتشكيل لجنة تحقيق مع ذلك الجندي الذي تصرف من تلقاء نفسه، وأوقف عن العمل حتى يكتمل التحقيق. السيد العقيد شرطة سامي حريز استضاف زميلنا الأستاذ الظافر داخل مكتبه وليس داخل حراسة، وأخلى سبيل المحتجزين فور اكتمال إجراءات التحري معهم، وتم إطلاق سراح الأستاذ الظافر دون أن تتخذ في مواجهته إجراءات قانونية، فالرجل يقدر دور الصحافة في تغطية الأحداث، مثلما تقدر ذلك الدور كل قيادات الشرطة السودانية. لم اتشرف من قبل بمعرفة أو لقاء السيد العقيد حريز، وهو في مقام الأخ الأصغر، لكن سمعته ومواقفه في إدارة الأزمات كانت قد سبقته إليّ منذ نحو تسعة أشهر تقريباً، إبان (مظاهرات بري) الشهيرة خريف العام الماضي، رغم معرفتي اللصيقة بكثيرين من أفراد أسرته العريقة وأصهارهم، وكلهم أعلام على مستوى السودان، ولا أحسب أن واحداً منهم مثل العقيد شرطة سامي حامد حريز سيكون نشازاً بينهم. نعود لأحداث بري الشهيرة في خريف العام الماضي، عندما خرج مواطنو بري محتجين على سياسات الولاية وانقطاع بعض الخدمات وسدّوا الشوارع والطرقات، وأشعل بعضهم الإطارات القديمة في وسط الطريق.. فكان أن تحرك السيد العقيد سامي حريز بقوته، وحكمته ليقف بعيداً عن المتظاهرين، وتوجه نحوهم لا يحمل سلاحاً، وقابل قياداتهم، وتفاوض معهم، ودعاهم لإزالة المتاريس عن الشارع، بل بدأ الإزالة بنفسه لكنهم منعوه وأقسم عليه بعضهم ألا يفعل ذلك في وجود أبناء الحي. عندما اشتعلت الإطارات واستدعى العقيد سامي شرطة الدفاع المدني، كان المواطنون يفتحون الطريق أمامها.. وعندما وصل الوالي وكبار المسؤولين إلى حيث التجمهر كانت المشكلة في طريقها للحل. قوة الشرطة التي تسندها الحكمة مثلما في حالة العقيد سامي حريز تصبح مطلباً شعبياً، خاصة في الحالات غير الجنائية.. ورغم ما نال زميلينا الظافر وفاطمة أحمدون مقابل تدخل الصحافة إلا أن ذلك لا يمنعنا من الإشادة بموقف الشرطة وقياداتها حال إبلاغنا لهم بأمر احتجاز عدد من الزملاء، ثم التوجيه بإطلاق سراحهم فوراً دون اتخاذ إجراءات في مواجهتهم، ونشيد بصفة خاصة بالسيد العقيد شرطة سامي حامد حريز الذي نعده نموذجاً للشرطة المتحضرة، والمواكبة للمستجدات سلوكاً ونهجاً وأداء.