في عهد المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه... والعرب حديثو عهد بالإسلام... والصحابة جلوس عند مسجد الرسول الكريم ... المسجد حينها كان هو مكان العبادة وقبة البرلمان ... والدار التي يلتقي فيها المتحابون في الله... وبينما الصحابة جلوس... إذا بإعرابي من أجلاف البادية.. ينيخ دابته بالقرب من المسجد... ثم يتبول بالمسجد... ولما كان للمسجد مكانته... انتهره بعض الصحابة.. وزجره البعض الآخر... وهمَّ آخرون بقطع عنقه... ولكن كان للذي أدبه ربه فأحسن تأديبه مدخل مختلف لحل الأزمة.. النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بإحضار دلو من ماء.. ثم يأمرهم بدلق الماء على مكان البول... فتذهب نجاسة البول بطهارة الماء... ثم يتنحي بالإعرابي جانباً... ويسترسل معه في الحديث... أوما علمت يا أخ العرب أن هذه المساجد لها حرمتها... وأنها أماكن للعبادة.. والإعرابي يستمع لهذا القول... ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا... كان لابد أن ننتهج منهجه ونستن بسنته... ونعالج الأمور بشيء من حكمته... وولاة أمورنا أحوج ما يكونو لمثل هذه المداخل للتعامل مع الأمور الخاصة بتسيير دولاب العمل في المؤسسات الحكومية... ولكن يبدو أن السلطة وزهوها ينسيان بعض ولاة أمورنا.. فيطلقون عبارات يصعب ابتلاعها.. على شاكلة«الماعاجبو يشرب من البحر» ولاية الخرطوم شرعت منذ أمد بعيد في تحسين وجه العاصمة بإزالة بعض التشوهات... مثل الباعة المتجولين- كماين الطوب على ضفاف النهر- وغيرها من التشوهات التي تقبح وجه المدينة... ولما كنا نتجرع المر خوفاً من الأشد مرارة... اتخذ البعض الأرض يفترش عليها بعض الخضر وشيء من الفاكهة... بدلاً من أن يمد يده ليتسول... أو يطيلها لتسرق المال الخاص أو العام... والبعض الآخر ارتبط بأرض أجداده متخذاً مهنة صناعة الطوب الأحمر حرفة، يتكسب منها ويطعم البائس الفقير... والولاية تتجه نحو تنفيذ مايسمى المخطط الهيكلي.. في إطار تحديد المركز الحضري... يجتهد بعض المعتمدين في إزالة هذه التشوهات بالتي هي أحسن تارة، وبالتي هي أخشن تارة أخرى.. المعتمد الجنرال يلتقي بأهل الجريف يحدثهم بضرورة وقف كمائن الطوب، لأسباب صحية وأخرى حضارية... المعتمد يسترسل في المبررات... أصحاب الكمائن يبدون تمنعاً واضحاً.. وهم يرددون... قطع الرؤوس ولا قطع الأرزاق...المعتمد- على حد قولهم - يمهل أصحاب الكمائن فترة لوقف أعمالهم... وإلا سوف تقوم المطافي بدلق الماء على هذه الكمائن... ولتأكيد ذلك يحلف المعتمد بالحرام- كما تقول رواية الأهالي- في محاولة لتطبيق مبدأ «أمسح ...». وفي الضفة الأخرى من النهر... يجتمع المعتمد الشاب... عمار حامد... مع تجار حلة كوكو... يجلس معهم على الأرض... يخبرهم بأن هذا السوق هو مركز المحلية... فيجيبون عليه... صدقت.. ثم يخبرهم بأن حال سوقهم لا يسر... فيجيبون صدقت... ثم يسألهم... ماذا لو حسنَّا من منظر السوق؟ يجيبون «شيء جميل».. ثم يطرح عليهم أفكاره... وبين عشية وضحاها تتحول مداخل سوق حلة كوكو الى حلة زاهية باللون الأخضر... المزيد يأتي.. الشوارع توسع... المواقف تنظم... والعافية درجات.. لعل الدفع بالتي هي أحسن هو المدخل الأفضل في معظم الحالات، إن لم يكن في جميع الحالات.. وإدارة التغيير تحتاج لشيء من الصبر، وبعض من الحكمة... وكما يقال «الحسنة معطت شنب الأسد» ولاية الخرطوم تدشن الجهاز التنفيذي لحماية الأراضي وإزالة المخالفات... معتمد الخرطوم- وهو يجتمع مع هذه الآلية- ينتقد انتشار السكن العشوائي... ويأمر ببسط هيبة الدولة... بعض أجزاء الولاية تعاني من شح مياه الشرب... بعضها يقع ضمن مسؤلية المعتمد... لذا نستسمحه أن يبسط هيبة الدولة بتوفير مياه الشرب.. السكن العشوائي يشوه وجه العاصمة.. ولكن الحالة الاقتصادية السائدة حالياً تخلق من التشوهات الاجتماعية ما لا تستطيع آلية المخالفات رتقه... ولاية الخرطوم كما يقال «تفلق وتداوي» تعمل جاهدة على خلق فرص العمل لآلاف الشباب... وتشرد آخرين في سبيل تجميل العاصمة... الحديث عن إزالة المخالفات أياً كان نوعها في ظل الظروف الحالية حديث ليس في مكانه الصحيح... الظروف التي تعيشها الولاية حالياً ظروف استثنائية، تتطلب إدارة استثنائية... حرارة الأسواق ترتفع بأكثر من حرارة الجو... العملة الوطنية تتناقص قيمتها السوقية... ثم الجميع يترقب بقلق رفع الدعم عن المحروقات لتصبح كما يقال «عايره وأدوها سوط»... الظروف الحالية تتطلب تطبيق إدارة أزمة... أشبه بإدارة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأزمة عام الرمادة... حين رفع حد السرقة.. وتولى أمير المؤمنين توزيع الدعم بنفسه... إزالة السكن العشوائي، وكمائن الطوب، والباعة المتجولين، ليست في اعتقادي أولوية في ظل الظروف الحالية... الأجانب يملأون أزقة الخرطوم وحواريها، يلوثونها بممارساتهم المشبوهة وأفكارهم الدخيلة... حتى تشعر أحياناً إنك في وطن آخر... والمعتمد يحدثنا عن كمائن الجريف غرب... الضائقة الاقتصادية تدفع بالأسعار الى أعلى... مراكز البيع المخفض وحاضنات البركة توفر بعض السلع الأساسية.. ولكن الأزمة تتفاقم يوماً بعض يوم... دون أن يحس بها سكان القصور العالية وراكبو الفارهات...المرحلة الحالية تتطلب التركيز على كيفية توفير الحد الأدنى من ما يحتاجه المواطن من خبز وجرعة ماء نظيفة... ثم بعد أن تنجلي هذه الأزمة، يمكن أن نتحدث عن تجميل شارع النيل، وإزاله التشوهات... وتنفيذ المخطط الهيكلى... حتى ذلك الحين نظل نردد بالخبز وحده يحيا السكان...الجوع كا فر ياسيادة الوالي. ü جامعة الخرطوم - مدرسة العلوم الادارية