غازات سامة تتصاعد في سماء المدينة الهادئة.. الرؤية الآن تبدو قاتمة وغائمة في ذات الوقت.. الأدخنة تتصاعد باستمرار من فوهة (137) كمينة على طول شريط النيل بمحلية كرري، مما دفع بالمواطنين للاستغاثة ولسان حالهم يقول (أدركوا صغارنا وشيوخنا)! شكواهم وصلت إلى الجهات المختصة ولا حياة لمن تنادي.. مدير عام وزارة البيئة بالخرطوم أكد ل«الأهرام اليوم» أن تراكمات غاز الكبريت المتصاعد تعمل على تدمير أدمغة الأطفال .. قانون صحة البيئة أقرَّ مواصفات محددة حال إنشاء الكمائن من بينها بُعدها عن مناطق السكن 2 كيلو متر وأن تكون عكس إتجاه الريح، وهذا ما لا ينطبق على كمائن كرري. وأكد مدير عام البيئة أن الجهات المختصة أوقفت التصاديق الخاصة بالكمائن بولاية الخرطوم لكن المحليات لم تلتزم بذلك.. حزمنا أوراقنا وتوجهنا إلى محلية كرري المدير التنفيذي بالمحلية قال لنا «لا علاقة لنا بالكمائن منذ العام 2008»! مدخل ما رأيك في منزل يطل على النيل في منطقة الجموعية وخور عمر تستنشق هواء الصباح ونسمات المساء؟ الفكرة مغرية! فقط إذا كنت لا تعرف المنطقة، أما إذا ساقتك قدماك إلى هناك، قد تظن أني أدبِّر لك مقلباً. ببساطة المنطقة تطل بالفعل على شاطئ النيل لكن الشاطئ هنالك من نوع آخر عكس الشواطئ المعتادة التي عرفتها الدنيا. لأن هناك تطغى رداءة الأوضاع البيئية في أقسى صورها، المكان احتلته كمائن الطوب التي تنفث أبخرتها السامة المتشبعة بغاز ثاني أوكسيد الكربون والرصاص والكبريت ذات الأثر الصحي السيئ الآني والبعيد المدى بفعل احتراق روث البهائم وإطار السيارات البلاستيكية. وتمادياً في انتهاك البيئة تجرف الأراضي الزراعية الخصبة لتتحوّل لواقع أخرس من الطوب.. تنتشر الفوضى الصحية في السوق العشوائي الذي يتبع للكمائن ويحفل بكل المخالفات الصحية من أسراب الحشراب.. الأطعمة المقدمة.. مباني جوالات الخيش- حتى الأواني.. تتمدد نفاياتها في سفور إلى أن تحازي المقابر التي تجاورها. وإمعاناً في غياب الرقابة يوجد ما يسمى ب«نادي المشاهدة» هذا النادي أكد أهالي المنطقة أنه يعرض أفلاماً خليعة وقالوا ل«الأهرام اليوم» إن هذا الوضع يهدد صحة أطفالنا وكبار السن وأيضاً يهدد أمننا وعلى السلطات أن تتدخل. (الأهرام اليوم) كانت هنالك ووقفت على هذا الواقع ونقلته بالقلم والكاميرا. قال أهالي المنطقة (للأهرام اليوم) إن بعض المواطنين قاموا بإيجار مزارعهم لتكون كمائن للطوب الأحمر وهؤلاء المواطنون لهم دخول أخرى غير الزراعة ونحن المزارعين الذين بجوار هذه الكمائن قد تضررنا كثيراً. وأضافوا أن مهنتنا الأساسية التي تعوِّل عليها أسرنا هي الزراعة وأن هذه الكمائن تقضي قضاءً تاماً على زراعتنا جراء دخانها «وعمالة طالعة ونازلة ليل ونهار» في المزارع هذا فضلاً عن اجهاد التربة التي حول هذه الكمائن سوف تتضرر بالحرق، وقالوا نحن منذ العام 2003 خاطبنا وزارة الزراعة والغابات وأخبرناهم أننا في بداية الموسم وناشدناهم بالتدخل السريع لإيقاف عمل هذه الكمائن وإزالتها رحمة بنا وباقتصادنا القومي وتأسيساً على مبدأ الأمن الغذائي بالولاية وأكدنا لهم أن اتحاد مزارعي كرري يعلم تمام العلم ورفض التدخل لحل هذه المشكلة. وبعد عام في 2004 خاطبنا وزير الزراعة بولاية الخرطوم مرة أخرى وأوضحنا له أننا لم نتمكن من الزراعة وتركنا هذه الأراضي بوراً في ذاك العام زادت الكمائن بشكل مخيف وكان الموسم الشتوي على الأبواب وبعض المزارعين قاموا بتجهيز الأرض وتحضير التقاوي لدخول الموسم ولكن بعض جيرانهم قاموا بتأجير أراضيهم لأصحاب الكمائن وقالوا بهذا الوضع تحوَّل مزارع كرري من شخص منتج لمتقاعس يقبض الثمن ويبيع الأرض الخصبة وتكون محرقة للأرض ولجيرانه ولم نزرع موسم 2003 وموسم 2004 إلى موسم 2005 انتظرنا كثيراً لحسم الأمر بواسطة الجهات المختصة ولكن انتهت المواسم ولم نزرع أراضينا وحصدنا فقط الضرر الذي يصيب زراعتنا من عمالة تستعمل مزارعنا بالقرب من الكمائن في قضاء حاجاتها ناهيك عن الدخان. ضرر صحي وشكا أهالي المنطقة ل«الأهرام اليوم» تدهور صحة أطفالهم وشيوخهم وقالوا إنها في خطر بسبب هذه الكمائن. قالوا نحن كمواطنين من حقنا أن نزرع ومن حقنا أن نتنفس هواءً نقياً ولكن وزارة الزراعة غضّت الطرف بحجج نراها واهية أحياناً لا توجد حوافز وتارة لا توجد سيارات وأحياناً تُقام ورشة عمل لإيجاد بدائل للطوب لكن هذا كله لا يرى النور. محلية كرري لا ترد ولا تنفِِّذ الأهالي أكدوا ل«الأهرام اليوم» أن وزارة الزراعة والثروة الحيوانية بولاية الخرطوم خاطبت المدير التنفيذي لمحلية كرري بواسطة مدير عام وزارة الزراعة لإزالة الكمائن غير المصدّقة بها من الوزارة واستناداً على القرار الوزاري رقم «7» لسنة 2004 الخاص بالتجريف والنقل من الأراضي الزراعية خاصة إقامة الكمائن دون تصديق وطالب مدير عام الوزارة بإزالة كل الكمائن غير المصدق إلا أن المدير التنفيذي لمحلية كرري لم يرد. الكودة لم يعمل أي شيء وأيضاً خاطب وزير الصحة في ذلك الوقت د. الصادق الهادي المهدي المعتمد مبارك الكودة ووضّح له حجم الضرر الذي يقع على المواطنين إلا أنه لم يفعل شيئاً حسب إفادات سكان المنطقة هنالك. قانون صحة للبيئة لقد ظل أهالي المنطقة يتضررون من تلك الممارسات رغم وجود القانون إذ يوضح البند رقم (4 و5 و6) بالقسم الثاني من قوانين السودان المجلد التاسع من قانون صحة البيئة لعام 1975 رقم (77) ص (261 و262) والبند 14 القسم الرابع لسنة 1975 ص (66) اشترط أن تكون أماكن حرق الأوساخ وغيره بمواصفات محددة من بينها أن يكون ارتفاع الموقع نسبياً من منسوب المنطقة السكنية وأن يبعد 2 كيلو متراً عن المنطقة السكنية وأن يكون الموقع عكس إتجاه الرياح. وزارة البيئة (الأهرام اليوم) وضعت تلك الشكاوى على طاولة مدير عام وزارة البيئة ومرافق المياه د. عمر مصطفى الذي أكد أن الكمائن ضارة بالصحة والسكن والزراعة وملوث بيئي خطير ضرره يتعدى تجريف التربة والقضاء عليها إلى صحة المواطنين مما يتسبب في إصابتهم بأمراض الجهاز التنفسي والحساسية والربو وأمراض الجهاز الهضمي والاسهالات، حيث لا توجد مراحيض صحية وفي نفس الوقت لا يوجد سكن آمن بالإضافة إلى الغازات المنبثقة من روث البهائم والحطب مثل ثاني أوكسيد الكربون والرصاص وهي غازات تؤثر سلبياً على صحة الإنسان وتسبب الأمراض الجلدية. وأضاف د. عمر أنها في النهاية تؤدي للإصابة بالسرطان بالمعدل التراكمي، وقال إن الكمائن ربما تكون وكراً للإجرام والرذيلة وفي بعض الإحيان لها بائعون متجولون يعرضون الأطعمة الملوثة كما توجد بها برك تساعد على توالد البعوض. وأكد مصطفى أن القانون يمنع الاستخدام غير الراشد لشواطئ الأنهار ولتربة الخصوبة التي يستفاد منها في زراعة الخضروات والفواكه حتى إذا زرعت تتأثر سلبياً بالأبخرة وبعض المواد السامة ويحدث لها تلوث مباشر وغير مباشر. ونوّه إلى أن العاملين بالكمائن ليس لديهم ثقافة صحية والأسلوب المرشد في العمل، ولا توجد مطهرات ولا صابون عند استعمال الروث «القرقف». وطمأن د. عمر أن وزارته أوجدت بدائل للمنطقة حيث وجدت مادة «الكوالين» هي مادة تستخدم لصناعة الطوب وهي متوفرة في منطقة شرق النيل وشمال غرب أم درمان وشرق المصفى بمنطقة بحري وهي بعيدة عن السكن وتبعد 2 كيلو متر عن الموقع الجغرافي وليس لها تأثير هوائي، وقال إن المكاسب الاقتصادية التي تعود من الكمائن لا تتناسب إطلاقاً مع حجم الدمار الصحي الذي تتسب فيه على صحة الإنسان والبيئة معاً، وذكر أن تراكمات غاز الكبريت تسببت دمار عقول الأطفال وتؤثر على صحة المرأة والحوامل والشباب المنتج . لجنة مجلس الوزراء كشف د. عمر أن الولاية أولت هذا الأمر أهمية قصوى وكوّنت لجنة على مستوى رئاسة وزير التخطيط وقال: منحنا تصديقات في المناطق الالحضرية وقمنا بتحديدها وأجزنا عبر وزارة الزراعة والموارد البشرية تصديقات في مناطق ريفية يتوفر فيها المناخ الصحي، مؤكداً أنه لا توجد رجعة في ذلك واشترطنا وجود استراحة للعاملين وألزمناهم بإزالة الشجيرات العشوائية التي تدمر التربة وهنالك مواصفات خاصة بامداد مياه الشرب والتخلُّص من الفضلات الآدمية وتوفير مياه آمنة مزودة بصنابير وتوفير مرحاض مقعد لكل عشرين عاملاً وكذلك اشترطنا دفن المراحيض قبل مواعيد فيضان النيل إذا كانت في موقع تصل إليها مياه الفيضان. وأوضح د. عمر أنهم في هذا الصدد استمعوا إلى الخبراء والمختصين في تكنولوجيا الحراريات والمهندسين الزراعيين والمختصين في علوم الأراضي وخرجنا بعدة توصيات تم رفعها بموجب تقرير إلى الجهات المعنية. وقال تم حصر الكمائن ويوجد في مدينة بحري 57 كمينة وأم درمان 77 كرري 137 الخرطوم 103 شرق النيل 330 والجملة 693 كمينة بولاية الخرطوم واستناداً على القرار 116 الخاص بإلغاء التراخيص توقف إصدار أي تراخيص أخرى جديدة للكمائن. ورمى دكتور عمر مصطفى بالمسؤولية على المحليات لتفعل سلطاتها ضمن قانون المحليات. محلية كرري لا علاقة لها: قال المدير التنفيذي لمحلية كرري الأستاذ رابح حامد «لا علاقة لنا بالكمائن ومنذ العام 2008 لم نعد مسؤولين عنها»! المجلس التشريعي رئيس لجنة الخدمات والصحة بالمجلس جابر محمود حيدوب قال ل«الأهرام اليوم» إن القوانين موجودة وأي شكوى تصل إلينا من أي مواطن نتحرك فوراً للتنفيذ والوقوف عندها ونعتبر حديث «الأهرام اليوم» بمثابة شكوى نيابة عن المواطن، فقط يحول دون تنفيذها إجازة المجلس التشريعي بولاية الخرطوم التي تمتد إلى ما بعد عيد الأضحى.