في حدود ما نعرفه عن الوالي السلطان عثمان محمد يوسف كبر، أنه رجل نذر نفسه، وجنَّد ذاته لخدمة أهله في ولاية شمال دارفور، اجتمعت عنده صفات القيادة والريادة من الجرأة والشجاعة والمبادرة والإقدام والاعتداد بالنفس وحماية القرار، فعندما انطلقت فعاليات الصالون بمنزله صباح اليوم التالي، كان واضحاً منشرح الصدر وطويل البال، استمع للحاضرين، وأسمعهم من قوله ما كشف به النقاب عن كثير من مواضيع الولاية التي كانت تشغل الأذهان، خاصة تلك التي تتعلق ببعض الجوانب الأمنية حسب خصوصية ووضع الولاية، فعلى منضدته كانت كل القضايا الشائكة والمعقدة مبسوطة للتناول على موائد الحوار التي قابلها الحاضرون بالأسئلة الملحة والاستفسارات العميقة، فكانت إجابات الوالي صريحة اللفظ واضحة المعالم، محددة الأهداف، بعيدة المغزى، دقيقة الوصف وصادقة التعبير، توحي بأن السلطان كبر ما هو إلا كتاب مفتوح، يسهل على الناس مطالعته ومدارسة سطوره بفهم ووعي وإدراك دونما مشقة أو كبير تعقيد، يجنح كثيراً في حديثه للاستشهاد بالحكم والأقوال المأثورة التي عرفت بها ولايات دارفور، ففي الصالون عندما جاء حديثه بما تهرف به الإذاعات وأجهزة الإعلام المعادية التي تقول عن ولايات دارفور ما لم يقله مالك في الخمر، ذكر تحديداً ما نطقت به امرأة مسنة بمعسكر كساب، عندما استمعت ذات مرة لإحدى الإذاعات المعادية التي وصفت حال الولاية والمعسكر بالوضع المأساوي المأزوم، فلما كانت المرأة شاهدة عيان تعيش داخل المعسكر وتعرف كيف تمضي الأمور فيه، أطلقت قولتها المعروفة «والله وليد مرة كضاب»، فصار قولها مثلاً يجري بين الناس ومنهم كبر، لكل من يجرؤ على تجاهل الحقيقة ومحاولة طمس معالمها، عندما يأتي من الأقوال والأفعال بما يبيض وجهه ويقوي حجته خدمة لأجندة معلومة. قبل ثلاثة أعوام أذنت شمس يوم عرفات بالمغيب يوم الحج الأكبر، انطلقنا من المخيم نحو مزدلفة ومنها إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى صباح العيد، سيراً على الأقدام، كان «الحاج» كبر أنشطنا وأسرعنا وأقوانا عزيمة على بلوغ المرام، يحمل «بقجته» على كتفه أميراً علينا في رحلة قاصدة ومشهودة، صبوراً يجد متعته الحقيقية في خدمة رفاقه من ضيوف الرحمن. في ختام أعمال الصالون كانت وجهتنا النهائية زيارة معسكر أبو شوك للنازحين الذين ضربوا القدوة والمثل في التفاني وحب الوطن رغم ظروفهم المعلومة، كانت دهشتنا كبيرة عندما وقف ممثلهم «خليل» يحمل بين يديه عداً نقداً مبلغ عشرة آلاف من الجنيهات دفعة أولى من نازحي المعسكر لدعم القوات المسلحة التي آلت على نفسها حماية تراب الوطن، ماذا نقول بربكم في أمثال هؤلاء الذين ما غابت عنهم قضايا البلاد ولم تشغلهم مآلات الحال داخل المعسكرات عن التخلف للاستجابة لنداءات الوطن، خاصة عندما جاءت البشرى تنبيء عن المراكز المتقدمة ودرجات التفوق التي حصدتها مدارس النازحين في امتحانات شهادة الأساس هذا العام، مما حدا بأبناء الراحل صاحب الصالون سيد أحمد خليفة «عادل وأمير» التبرع بسخاء بمبلغ من المال لدعم المتفوقين. إن مبادرة ولاية شمال دارفور لدعوة صالون سيد أحمد خليفة، سابقة ينبغي أن تبادر إليها بقية الولايات، فالصالون عبارة عن برلمان مكشوف لمناقشة القضايا بالنقاش الجريء والحوار الصريح، وللصالون في ذلك أمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. بعد العودة من فاشر السلطان نرفع قبعات التبجيل ونرسل عبارات الثناء لأهلنا في شمال دارفور أحفاد السلاطين حكومة وشعباً بدءاً من الوالي ونائبه، مروراً بخازن أموال الولاية الدكتور الشاب عبده داؤد، ولوزيرة الإعلام زبيدة سليمان، والوزير حافظ عمر ألفا، والمستشار خالد فقيري وللمعتمد النشط عوض إسحق دحيش الذي كان أحد أسباب نجاح فعاليات الصالون، وللأخ عبد الحميد إبراهيم ممثل سودانير، ولصديقنا القديم إبراهيم أبكر سعد أحد أركان الثقافة والإبداع في دارفور، والتجلة لسيبويه يوسف، ومصدق وصلاح وبقية العقد النضيد من شباب قصر الضيافة الذين سهروا على راحة ضيوف الولاية، ولكل الذين أحاطوا وفد الصالون من السائقين والعمال وغيرهم بكريم الضيافة وفائق الاهتمام، إن في الحلق غصة، وفي الجوف ألم أطل برأسه بعد وداع فاشر السلطان، فلا غصة الحلق تزول، ولا ألم الجوف يرحل إلا بزيارتها من جديد. وقدلة يا مولاي حافي حالق بين أزقة وشوارع الفاشر وحواريها.