قال افلاطون:((إني اشكر الله لسببين: الاول اني قد ولدت حراً لا عبداً، والثاني إني ولدت رجلاً لا إمرأة)) وبالطبع فإن الفيلسوف المثالي الكبير لم يكن يقصد الاساءة للارقاء والنساء، وانما كان يصف الحالة المزرية التى كان فيها أولئك البؤساء، وعلى الرغم من الفاصل الزماني الشاسع بين عصرنا وعصر صاحب «الجمهورية» الفاضلة، الا ان عصرنا المتقدم هذا نفسه لم يتخلص بعد من الاسترقاق (المغلف او الابيض) ولا من التمييز الظالم ضد المرأة! وبالعودة الى الوراء نقول ان المرأة لم تستكن تماماً لهذا الوضع المزري في تلك العصور المظلمة، وقامت بعدة ثورات، وليس لمصلحتها فقط وانما لمصلحة الجميع، ففي العهد اليوناني القديم وقفت ضد الحرب، وفي العام 1789م كانت المرأة هى التى اشعلت شرارة الثورة الفرنسية الكبرى، حيث قامت النساء بمظاهرات حاشدة وغاضبة في باريس ضد الطغيان الحاكم وهن يحملن اسلحتهن المتمثلة في مغارف الطعام. ولأن قضية المرأة عامة على مستوى العالم آنذاك فقد بدأت توحد جهودها على النطاق الدولي، فعقد في واشنطن اجتماع عام 1902م حضرته مندوبات من سبع دول غربية، وقررن في هذا الاجتماع تكوين لجنة مؤقتة للتحضير لاجتماع ثان في اوربا وبالفعل تم في برلين سنة 1904م، وحضرته مندوبات من تسع دول، وفي هذا المؤتمر تكون الاتحاد النسائي الدولي، وفي عام 1910م عقد مؤتمر نسائي عالمي في العاصمة النرويجية كوبنهاجن حضرته 100 عضوة يمثلن 16 دولة، وفي عام 1945م تم تكوين الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. ومنذ مؤتمر كوبنهاجن تقرر اعتبار يوم 8 مارس من كل عام يوماً عالمياً للمرأة، واحتفل به لاول مرة عام 1911م، واقترح هذا اليوم بالذات لأنه يمثل ذكرى لحركة نسائية رائعة، ففي هذا اليوم المذكور من عام 1908م ثارت عاملات النسيج والملابس في امريكا مطالبات بتحسين ظروف العمل والاعتراف بحقوقهن الدستورية، وكان اقتراح ذلك اليوم بمبادرة من الرائدة العالمية النشطة كارازيتكن، والتى وجهت قبل قرن من الآن (1912م) نداءاً من مدينة بازل بألمانيا ضد الحرب جاء فيه (( لو اعلنت نساء العالم حرباً على الحرب لاصبح من المستحيل قيامها)). وفي الوطن العربي الكبير كانت المرأة السودانية في طليعة الكفاح بالتعاون الوثيق مع اختها المصرية، فقد كانت العلاقات بينهما تحتل مكاناً خاصاً طوال تلك الفترة، نظراً لروابط الكفاح الطويلة والعميقة بين الشعبين الشقيقين. وهكذا امتدح كفاح المرأة السودانية، ومنذ بواكير يقظتها، الى محيطها الاقليمي والعالمي مما كان له اكبر الاثر في تحقيق ريادتها على المستويين الى جانب كفاحها المحلي، وفي هذا العام 2012م اختارت الاممالمتحدة شعاراً لاحتفالات يوم المرأة يقول ((تنمية المرأة الريفية/القضاء على الفقر والجوع))، ووضعت في الغلاف الخاص بذلك صورة للسيدة (كلثوم) السودانية وهى تقف الى جوار اسرتها الصغيرة لجمع محصول الذرة البيضاء في منطقة سالوما بالقرب من مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور. ولا شك ان للشعار دلالات ومضامين كثيرة، ولعل من بينها ان قصدوه ام لا تلك الارقام الدالة والواردة في آخر الاحصائيات والتى تقول ان المرأة السودانية بلغت في العمل بمداخل الخدمة المدنية الرسمية حوالي ما نسبتها حوالي 50%، اما في القطاع الزراعي فقد بلغت النسبة 79%، علماً بأن للمرأة الدارفورية القدح المعلى في الانتاج الزراعي (العمليات الفلاحية)، ليس في ولايات دارفور وحدها وانما ايضاً في معظم بقاع السودان، ومن هنا ندرك ان تنمية المرأة الريفية عامة وفي العالم الثالث بصفة خاصة دور محوري في القضاء على الفقر والجوع مما يقود بدوره الى القضاء على المرض، هذا الثالوث المرعب الذي يقض مضاجع العالم!