زار صحفي غربي قبل سنوات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان بمنزله.. الصحفي بعد أن قدم أسئلة في غاية الحرج عن الخلفيات الإسلامية لرئيس الوزراء ومدى التزامه بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.. طلب الصحافي من رئيس الوزراء أن يفتح أبواب ثلاجة المنزل ليطلع على دواخلها.. فقد درج الساسة الأتراك من لدن الرئيس كمال أتاتورك على الاحتفاظ بشيء من (الجعة) لزوم (التفرنج) وإكرام الضيوف.. رفض أوردغان الطلب الغربي.. كشف ما بدواخل الثلاجة كان يعني الإفصاح عن مكنونات السياسي الفطن.. دواخل الثلاجة كانت إما فضحاً مع الشعب وإما حرجاً مع الغرب. أمس قفز الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي خطوات في الظلام.. الرئيس المنتخب أعلن عن عودة مجلس الشعب للانعقاد بعد أن أبطلته المحكمة الدستورية.. قرار الرئيس مرسي شابه التعجل وأقبل على الأمر حتى قبل أن يعين حكومة تنفيذية. المجلس العسكري احتفظ بهدوء ووقار وحكمة.. دخل في اجتماع استمر لساعات دون أن يخرج ببيان علني.. الجيش سحب قواته التي كانت تحرس البرلمان المحلول بحكم دستوري حتى لا يدخل في مواجهة مع نواب مجلس الشعب أو الجماهير المؤيدة للقرار. تعجل الرئيس مرسي حتى يؤكد من اليوم الأول أنه رئيس كامل الصلاحية.. وكذلك توقيت القرار وضع الزخم الثوري في الحسبان.. مجرد إعلان الحكومة الجديدة سينفض مولد الإجماع على الرئيس المنتخب.. الغاضبون سينضمون إلى المعارضة.. ومن بعدها سيواجه الرئيس مطالب الجماهير التي بدأت منذ اليوم الأول تعتصم حول قصر الرئاسة بحثاً عن الخبز والعمل والأمل. صحيح أن الإعلان الدستوري انتقص كثيراً من صلاحيات الرئيس المنتخب.. مؤكد أن حكم المحكمة الدستورية كان يضع في حسبانه المستقبل ووصول (الإخوان) للرئاسة.. ومن غير الطبيعي أن يظل المجلس العسكري في وظيفة المشرع في وجود مجلس شورى منتخب لم يطله الحل.. وكذلك من غير المنطقي أن يظل الجيش بعيداً عن بصر الرئيس المنتخب.. حتى منصب وزير الدفاع حسب الإعلان الدستوري المكمل يقرره مجلس الجنرالات العسكري. رغم هذه الحيثيات إلا أن الرئيس مرسي تعجل كثيراً.. وضع مرسي نفسه في مواجهة مع المؤسسة القضائية ذات التاريخ التليد في مصر.. لم يكن من المنطقي أن يؤدي مرسي القسم أمام المحكمة الدستورية ثم ينقلب على حكمها بعد أيام معدودات.. الآن أصبح مرسي في مواجهة مع القضاء المدعوم بسلطة الجيش القابضة.. حتى أعضاء من ذوي التاريخ في مسيرة إخوان مصر أبدوا امتعاضهم وغضبهم من خطوة الرئيس مرسي.. من بين هؤلاء النائب مصطفى بكري والفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي. في تقديري أن الرئيس مرسي سار على درب إخوان السودان الذين تعجلوا التهام التفاحة.. وجاءوا بعد ربع قرن من الإمساك بمفاصل السلطة يتحدثون عن دستور إسلامي جديد.. فيما مضى الرئيس رجب طيب أوردغان بتمهل في الإصلاح.. احترم أوردغان الجيش حتى خلع أنيابه.. ترفق مع القضاء وكان ينتظر كل مرة خلو مقعد في المحكمة العليا ليملأه بواحد من المؤيدين لسياسته في الإصلاح. الرئيس مرسي مثلما دخل التاريخ باعتباره أول رئيس مدني لجمهورية مصر.. ربما يسجل اسمه كذلك باعتباره الأقصر إقامة في قصر العروبة بعد أن تصادم مع أقوى مؤسستين في مصر الجيش والقضاء.