كثير من اللقاءات الاجتماعية، وبعض لقاءات الأنس تتحول إلى لقاءات سياسية، خاصة إذا ما وجدت من يسوق الحوار فيها سوقاً نحو نقاط الخلاف والاختلاف، وإذا ما كان بين المجتمعين بعض ما يفرِّق ولا يجمع. مساء الخميس الماضي كنت ضمن مجموعة من الصحفيين داخل منزل الدكتور جلال الدقير، الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، بمناسبة نجاح العملية الجراحية التي أجريت له، وعودته إلى أرض الوطن، وكان تمثيل الصحف ورؤساء التحرير عالياً إلى درجة ملحوظة بحيث لم يغب إلا نفر قليل. أفضل ما في اللقاء الذي نظمت له إدارة الإعلام داخل الحزب الاتحادي، أنه لم يكن على مائدة الإفطار الرمضاني، التي يحرص كثير من الناس على تفاديها، لأن مثل تلك الدعوات إنما هي لقاءات علاقات عامة، لا يدور فيها حوار بين الداعي والمدعوين، خاصة إذا كان من أصحاب الأوزان والأسماء في عالم السياسة. حرصت على أن أكون داخل منزل الدكتور جلال الدقير في الموعد المحدد، ووجدت من كان أحرص مني فبَّكر بالحضور، وعند الموعد المحدد توافد عدد من السياسيين، فالتفت إلى جاري في المقعد المجاور- الأستاذ الصادق الرزيقي- وقلت له إن اللقاء سيتحول إلى منتدى سياسي، خاصة وأن المفاوضات مع دولة الجنوب ستبدأ غداً «الجمعة الماضية»، وأن رئيس الوفد الحكومي كان بين الحضور، وكنت أعني الدكتور كمال عبيد.. ولم يخيِّب الجمع الكريم ظني، إذ سرعان ما تحول اللقاء الاجتماعي إلى سجال سياسي صحفي بين فريقين، يحرص كل واحد منهما على أن يلاعب الآخر بكل ثقله، ويحقق أكبر قدر من الأهداف. مادار بدأ بمناقشة القرار المفاجئ برفع أسعار الكهرباء، الذي لم يجد المساندة من كل الفريق الصحفي، الذي قاد بعد.. هجوماً على التفاوض في الوقت الحالي مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية، ورأت الحكومة ممثلة في رئيس الوفد المفاوض على كل النقاط، وحاول الدكتور كمال عبيد أن يحرز «أهدافاً ملعوبة» من دائرة الوسط، خاصة عندما كشف عن أن كل القوى السياسية قدمت وجهات نظرها في القضايا محل التفاوض، في رده على ما أثاره كاتب هذه الزاوية، وإشارته إلى مقترح قدمه ونشره في الخامس من يونيو الماضي، باشراك كل القوى السياسية في التفاوض أو الحوار من خلال هيئة استشارية. إنتهت المباراة بعد منتصف الليل، وكل من شارك فيها خرج منها كأنه نجمها الأوحد «ربما».. لكن قناعة الأكثرية أنه لا نجومية إلا للسلام، وتقديم التنازلات من كلا الطرفين، فالذي يُشل نصفي الأسفل يُقعد بقية الجسد عن الحركة، والذي يقتل نصفي الأعلى يميتني دون شك. وأذكر خلال اللقاء أن أشرت إلى أن حل «كل» مشاكل السودان وجنوب السودان الاقتصادية يجيئ من الاتفاق بين البلدين .. وقد أمن السيد يحيى حسين على ذلك بهزة من رأسه، بينما ابتسم الدكتور محمد مختار حسن حسين.