اليوم تكمل قناة ام درمان عاماً كاملاً من البث والابداع والتألق والتوهج والرنين انها الملاذ الآمن الذي اهجع إليه كلما انتابني الملل والكسل الذهني والتصحر الذي يبدأ زحفه من الأسافل متجهاً نحو كل الوجدان فأجد ضالتي في الشعر ويجذبني الحوار الرفيع ويشدني خالد ساتي من صالة تحريره وفق ناديه المخصص للاعتراف وفي اجندته، خالد ساتي كتلة اعلامية سائلة ومتدفقة ومتجدولة وهاطلة في كل الاتجاهات له مقدرة فذة في الاستنطاق والاستفزاز واللطف واستخراج المعادن النفسية من تجاويف ضعيفة، وانتجج طائعاً لسيد الفكرة حسين خوجلي الذي ظل يمتعنا ربع قرن من الحوار النابض والكلمات الملونة والتسديد المتقن، يجلس «متوهط» ويحادث ضيفه وفنانه بأعذب مافي حلق النغم حتى يخيل لك انه يختنق بالمسك وأن فمه «فاح بطيب رياهو»! أم درمان شاشة مؤمنة بالثقافة السودانية ايماناً تجلى في تقديم مئات الشعراء والفنانين وكافة علماء السودان ،وهي شاشة تجمع بين الثوابت التلفزيونية والمتحرك الصحفي فتتداخل الصحافة حساً مع نطق الشاشة والاخراج المهني وهي من جهة اخرى شاشة مجتمع مدني نوابضه الحداثة واستطاعاته الحوار. ارجو أن اشير الى حوار شجي اجرته احدى مذيعات أم درمان مع الناقد المسرحي الاستاذ السر السيد ثبت لي يقيناً أن السر أحد تجليات غرامشي فيما سماه «بالمتثقف العضوي» واشير ايضاً الى الحوار الذي اجراه عماد البشرى في «مساء الخير يا أمير» مع الشاعرة الفذة روضة الحاج هذه الشاعرة التي تقنعني كل مرة أن المكان الوحيد اللائق بها هو الفضاء وليس الارض وليت لي القدرة كي أهييء الفضاء لكي تسكنه! وشاشة أم درمان «كبسولة سياسية» في شكل عناوين سودانية وعربية ودولية تتسع هذه الكبسولة في معناها السياسي العميق ومضمونها الموحي وظلالها ذات القراءات البعيدة. الخوف أن تلحق أم درمان بالأحداث رغم كل هذا البهاء فالبث يكلف 30 ألف دولار شهرياً تدفع بسعر مختلف كل شهر في ظل استعصام «فرانكلين وجورج واشنطن » بالبعد عن الجنيه السوداني بمسافة ضوئية بما يجعلنا نناشد الدولة بالدعم غير المباشر عن طريق الاعلان فهو السبيل الوحيد لبقاء مثل هذه المعابر الاعلامية الجديدة الرسالة والشيقة الإمتاع والعذوبة في آن معاً.