الشعر أيضاً يشبه النفط، والنفط هو السائل الوحيد الذي يحسن تأديب الدولار، ويقيِّد حركة صعوده وهبوطه، «ويقعدو في محلاتو». الشعر يشبه النفط ويتفرع منه لكونهما في الأصل كامنين في النقيضين الجدليين الباطني الأرضي والعميق الوجداني، والشاعر الذي يشبه خصائص النفط هو من يحسم معارك «الأوبك» الأدبية لصالح قصيدته وينتصر للشعب الذي كيَّف ذوقه على بحور «فاعلاتن» وهكذا فعلت روضة الحاج. أولا أعتذر بشدة لروضة الحاج فقد كنت لا أهتم بها كثيراً وأنا في المنافي فقط لأنها «إسلامية»، وذلك بعض من الغباء وكل التيه، وربما كان السبب أيضاً الحملة السياسية التي رافقت ظهورها التي تتعارض مع قناعة أفدتها من تجاربي السياسية والأدبية بخواء الشاعر الذي يسانده حزب سياسي، لا يترك للنقاد من متردم.. الشعراء والكُتَّاب صنائع الأحزاب كثيرون، لكنني أجزم أن لا أحد يحفظ بيت شعر واحد لهم، لكنهم يحافظون على وجودهم الأدبي بالرافعة الحزبية والاتحادات المنسوبة للأدب، وبما يكتبونه أحياناً من طلاسم أشبه باللوغريثمات.. روضة الحاج هي الشاعرة الوحيدة التي أثارت ضجة في محيطها السياسي، لكن الفرق بينها وبين «شعراء اللوغريثمات» أن لها طحين! أعادت روضة للقصيدة النسوية عذرية ضاعت في حانات التقدم باسم الحداثة، حافظت على شكل القصيدة مثلما تحافظ بما تتزيا به، وأضافت للحداثة بعداً تأصيلياً لأن قصيدتها مغروسة في الأصالة ونابتة في تربتها الجمالية الوطنية. اعترف أنني لم أقرأ لها إلا في العامين الأخيرين فاقبلي ندمي ويعذرني أن النفط لا يتقدم في السن مهما تطاولت به السنوات، فالنفط المعتق هو الذي يضاعف النشوة. روضة الحاج قيمة شعرية عالية تتصاعد في حنجرتها صرخة الغابات الأولى، والصحارى الأزلية، ولها القدرة على تحويل عبارات الشعر المظللة الى كلمات من لبن وعسل وحضارة.. هي لا تحتاج الى هِتِّيفة ورواة لا يحسنون النطق ولا يحسنون انتخاب الأبيات الجارحة، تحتاج لنقاد اضاءة ولمستكشفين لنصها، لأني أحس بأن نصوصها لها طبقات مثلما للبترول طبقاته في الأغوار والتجاويف.. ألم أقل لكم إن الشاعر المتدفق يأسر في سيمائه ملامح النفط؟ التهنئة لأختنا الشاعرة روضة التي تبعث من الركام مفردة هائلة وتتقدم يومياً على الساحات التي تسيطر عليها الأخيلة، وتحيط بها الحداثة، وتشف عما لا يبين وما يبين، وتثبت أن العروبة أنثى تلد وترضع شعراءها وشاعراتها وتؤكد أن «النساء جمع امرأة»!!