في شغاف كل سوداني دكتاتورية أصيلة لم يرسل الله ملاكاً لنزع شأفتها.. تنمو هذه الدكتاتورية وتزدهر منذ الطفولة وتخصب إذا كان الدكتاتور ذكراً في مقابلة أنثى هي في الأصل شقيقته تتنامى حيئذ بواعث الدكتاتورية عند الذكر تمتصها الأنثى الشقيقة بالصبر والتقاليد المرعية.. فتصاب هي الأخرى بدكتاتورية النساء حين تكبر وتمارس دكتاتوريتها على الزوج المترعرع أصلاً في كنف الدكتاتورية!! هذه الدكتاتورية المتقاسمة بين ذكر وأنثى تدخل الحياة من بوابة العمل العام الوظيفي والاجتماعي والثقافي والرياضي والفني والمهني والسياسي وهذا هو الأهم. السياسيون ليسوا كائنات هبطت من خارج نطاقات الكرة الأرضية ولم يكبروا خارج الزمن، خرجوا من ذات المسارب الحاضنة للدكتاتورية منذ صرخة الولادة الأولى حتى «أركان النقاش» في الجامعات وطرق التوظيف وتطوير الحس التآمري أثناء الوظيفة المدنية، ثم اكتمال الحلقة بالبزوغ السياسي الراكز دكتاتورياً والمنادي بالحرية كتكتيك مرحلي!!.. أما التجلي الساطع للدكتاتورية فيستبين حين يصل الحزب للسلطة بكافة عضويته المؤهلة تأهيلاً عالياً على نفي الآخرين، المعصومة من الانفتاح والمالكة الاحتكارية للاستقامة والتقوى والنجوى، حيئذ تبرع العضوية في الحديث الدكتاتوري الشجي بمفردات ديمقراطية جداً!! في ذهني تجربة التجمع الوطني الديمقراطي فقد كان عبارة عن تجمع دكتاتوريين أصلاء من مدارس مختلفة ومن جذور وأصول دكتاتورية متباينة، ورغم هذه الصفة اللاصقة بهم كدكتاتوريين من طراز فريد، إلا أنهم كانوا دكتاتوريين يطالبون بالحرية والديمقراطية!! من أمراض الدكتاتورية الإصابة المبكرة بداء تضخم الذات وربما ضمور البروستاتا، فالذات المتضخمة لا تحتمل نشاطاً أكبر منها، ومن أمراضها المتأصلة أيضاً في السياسة «التوريث»، فالدكتاتور يمجد نطفته ويرى أن ماءه الدافق في مقام البحار وهو لا يورث ابنه لأنه كفء أو لأنه يحبه، يورثه على خلفية حرمة النطفة وأسرار البحار وفحيح الماء الدافق، وذلك بلغة الفكر السياسي هو «التصور المنوى للتاريخ»!! ومن أمراضها أيضاً «النرجسية» الميؤوس من الشفاء منها لطبيعتها الفطرية ومهمتها الجذرية، وذلك داء لم يسلم منه من ساسة السودان إلا من عصم ربي!. ربما يتساءل القاريء وما الشفاء من الدكتاتورية؟.. إن الشفاء من الدكتاتورية لا يتم إلا بالمزيد من الدكتاتورية!