ما أجمل الإنسان وما أضعف كسبه إن قصد الدنيا، وفارق طريق الآخرة الذي هو طريق الحق الوحيد إن ظلله الإيمان ومهد له الصبر. كنت أحسب نفسي عارفاً وعالماً-استغفر الله العظيم- بحجم الغضب الذي يعتمل في صدور أبناء السودان، والذي تنادوا للتعبير عنه يوم أمس احتجاجاً على الفيلم المسيء للرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وكنت «أتصور» حجماً متخيّلاً في ذهني للسلفيين في السودان وما كنتُ أتصور أعدادهم بهذا الحجم الضخم والكبير، توقعت أن يكونوا بالآلاف على أعلى تقدير، لكنني لم أتوقع أن يكونوا بعشرات الآلاف من النساء والرجال، وقد استدللت على ذلك ممن شاهدتهم من الرجال الذين يطلقون اللحي المتميزة.. ومن شاهدتهن من النساء اللائي أسدلن الحُجب على أجسادهن وهن داخل الحافلات يرددن الهتاف وراء الهتاف استنكاراً واحتجاجاً على الفيلم السيء المسييء، ولا أظن أن صوت المرأة عورة في هذا الموضع. الأعداد كبيرة وضخمة، والتحركات للانضمام إلى المسيرة الغاضبة لم تنقطع، وقد ضمت السلفيين وأهل التصوف والمسلمين الذين يحملون شهادة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» ويعتزون بها، وكثيرين لا يندرجون تحت مسميات الأطر المنظمة أو الطوائف الدينية.. كان الشارع السوداني المسلم كله غاضباً إلا قلة قليلة قد ترى في الذي يجري «تخلفاً» و«ردة» عن مواثيق الأممالمتحدة الخاصة بحقوق الإنسان في حرية التعبير، وحرية الفكر، والفنون و«هلمجرا». نعم قلة قليلة نعلمها والله يعلمها أكثر منا.. ستظل بوقاً لليهود والنصارى، وتسعى لأن تكون ديار الإسلام وأهله موطن خنوع وخضوع لكل عدو لله وجبرائيل ولمحمد والإسلام والمسلمين.. ولكن هيهات. بالأمس قلت لزملائي في قسم الأخبار إنني فوجئت بهذا العدد الضخم خاصة من السلفيين الذين بدا لي أن الأرض أنشقت- هكذا- فجأة وأتت بهم.. وقلت لهم إنني أتصور أنهم تنادوا من كل البقاع والأصقاع من داخل هذا الوطن الشاسع، ومن كل ولاياته ومدنه وقراه وحلاله وفرقانه، ليكون «صوتهم» عالياً و«صورتهم» زاهية في المشهد الاحتجاجي الكبير.. مشهد الغضب والغيرة في سبيل الله. وذكرت لزملائي أن خطاب الغرب المسيحي والصهيوني، ما زال مستفزاً بالقول إن إنتاج الفيلم يدخل ضمن حرية التعبير.. وهو لا يعبر عن الحكومات التي لا تقبل ما احتواه واشتمل عليه، لكنها لن تستطيع منعه حتى لا تتعدى على حرية الرأي والتعبير. حسناً ما يقوم به الغاضبون من أجل الله من أفعال هي ذاتها تعبير عن موقف ورأي لا يستطيع أحد أن يمنعه، والحكومات غير مسؤولة عنه..! صورة سالبة: بالأمس كادت مظاهرة احتجاجية أن تتحول إلى مظاهرة ضد الشرطة في شارع البلدية في الجانب الجنوبي من الجهة المقابلة لبنك العمال عند مدخل شارع أبوسن، عندما اصطدم شرطي يرتدي «أوفر أول» أزرق كان يقود عربة بوكس زرقاء تحمل رقماً شرطياً وهو يسير من جهة الغرب إلى الشرق بسرعة جنونية، بسائق «موتر فيسبا» كان في الاتجاه المعاكس، أراد أن يتوقف قريباً من نقطة التجمع عند تقاطع شارع أبو سن مع شارع البلدية.. فاصطدم الشرطي بسائق «الفيسبا» وتحطم الموتر وأصيب السائق إصابات لم يستطع أن يقدرها أحد، وأصر المتجمعون المحتجون على الشرطي أن يحمل معه المصاب إلى أقرب مستشفى، وأصر آخرون على أن يحمل معه «الموتر» المحطم على ظهر السيارة البوكس حتى لا يصبح ملقياً على العراء في غياب شرطي مرور لحظة وقوع الحادث. احتج المتجمعون على الشرطي الغاضب الذي حاول أن يحمِّل المصاب مسؤولية الحادث.