كان يوماً طويلاً تزيده تعاسة أجواء بورتسودان الرطبة.. الحاج فتحي وزوجته توقفا في عيادة طبيب النساء والتوليد.. كانت أمنية الأسرة إنجاب ابن ذكر ليكون خامس أربع فتيات.. قلل الحاج فتحي من سرعة العربة لتجاوز مطب صنعه الأهالي بسبب حوادث الحركة الناتجة من القيادة الطائشة على شارع المطار.. فجأة انطفأ نور السيارة.. كان أمراً معتاداً على عربة المازدا المتهالكة.. نزل الزوج وفتح غطاء الماكنة.. بين خيوط الظلام انتبهت زوجته صفية لصندوق وضع على الجهة اليمنى من الطريق.. صوت طفل يخرج من الصندوق.. كادت صفية من هول الذهول أن تضع حملها.. لفتت انتباه زوجها.. مضى فتحي لاستجلاء سر الصندوق الباكي.. طفل حديث الولادة.. بصورة غير شعورية نظرت صفية إلى علامة التصنيف.. إنه الولد الذي تبحث عنه منذ عشر سنوات. كانت رؤية الحاج فتحي أخذ الطفل الرضيع إلى نقطة الشرطة.. توسلت صفية ألا يفعل ذلك.. قالت له سيأخذوه إلى المعسكر.. سيكتب في سجلاته أنه لقيط.. أخيراً انتهي الزوجان إلى تسوية.. إيواء الصغير إلى حين تدبير أسرة بديلة.. كان كلاهما يشعر أن الطفل لن يخرج من بيتهما.. بدأت الخطة بإخلاء المنزل من الصبايا الأربع.. تم إخبار الأسر الكبيرة بأن الطبيب أوصي بأن تضع صفية حملها في الخرطوم. في كل يوم كانت صفية تشعر بمودة نحو الطفل.. بدأت تشعر أنها ولدته مبكراً من بطنها.. بعد تسعة عشر يوماً أنجبت صفية البنت الخامسة.. أرسلت تلغراف لأسرتها أن المولى وهبها على الكبر تؤام.. طفل وطفلة سعيد وسعيدة.. منذ تلك الكذبة البيضاء لم يتناقش الزوجان في أمر الطفل الغريب.. تشعر صفية بفرح زائد عندما يخبرها أحد الناس أن سعيداً يشبه والده وسعيدة تشبه أمها.. تكتفي صفية بنظرة في عيون زوجها.. كأنها تقول له ربح البيع. مضت الأيام وربحت تجارة فتحي مخلص الجمارك.. رأى الرجل أن ينقل الأسرة للخرطوم.. اختار مدينة النيل الناهضة التي تناسب مستوى دخله المرتفع..اختارت بنات العم فتحي تخصصات مختلفة.. فيما درس سعيد القانون بجامعة الخرطوم.. كان الحاج فتحي الشهير بفتحي جمارك يحاول أن يؤمن مستقبل أفراد أسرته.. جعل البناية الضخمة تسعهم جميعاً في الحاضر والمستقبل. بعد ثلاثين عاماً تصحو المدينة على جريمة قتل.. غموض يكتنف مقتل سمية عرديب..السيدة المسنة قتلت داخل منزلها بأمبدة.. حاولت الشرطة أن تغوص في تاريخ سمية عرديب.. وجد أنها احترفت بيع المخدرات.. في شبابها المبكر كانت بائعة هوى في شرق السودان.. دخلت السجن وخرجت ولم ينتبه لها أحد.. كانت وحيدة كأنما مقطوعة من شجر. في صباح اليوم التالي انتحر الحاج فتحي في غرفته.. حاول الحاج أن يوهم الجميع أنه أفرط في تناول دواء الضغط.. قبل أن يموت ملك زوجته السر.. سعيد ابنه ومن صلبه.. سمية عرديب كانت عشيقته التي طلبت منه التخلص من الطفل.. أوهمها أنه فعل ذلك قبل ثلاثين عاماً.. أخبرها أنه قتل سمية بعد أن اشتمت رائحة ابنها. لم تحتمل الحاجة صفية هول المفاجأت وتوالي المصائب.. بدأت تذبل مثل زهرة غاب عنها الماء.. بعد شهرين ماتت الحاجة صفية.. في ذات المقابر التي ضمت والد ووالدة سعيد انتهى بالحاجة صفية المطاف ودفن السر في ذات التربة.