الدولة الذكية هي التي تقيّد الفوضى بالقوانين والتشريعات والضوابط واللوائح المنظمة للمجتمع في مجالات العمل والخدمات وكل الأنشطة الإنسانية في الأمن والاقتصاد والتعليم والصحة والتجارة وغير ذلك، بحيث يصبح القانون هو (مجموعة القواعد العامة الملزمة التي تسنها الدول أو تأمر بتطبيقها، والمصحوبة بجزاء حال ومادي توقعه السلطة العامة عند مخالفة هذه القواعد). إذن تقييد الفوضى يتم بالقانون، والقوانين ملزمة ويتساوى أمامها الجميع، ولا يمكن إلغاء القانون ب(قرار) حتى وإن كان الأمر التفافاً على القانون. لقد ثار لغط كثير حول إلغاء مجانية علاج الأطفال وإجراء العمليات القيصرية للنساء في مستشفيات الولادة بالخرطوم، وتكرّم السيد الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم بتقديم توضيحات مهمة حول هذه القضايا الحيوية التي تأتي على أعلى درجات سلم الأولويات والأهميات في حياتهم، خاصة في مجتمع يتفشى فيه الفقر بصورة بشعة، ويتمدد بحيث يصبح له ضحايا جدد في كل يوم. والسيّد والي الخرطوم رجل فطن، عالي الإحساس بالمسؤولية حسب ما نعرفه عنه من خلال المعايشة عن قرب أو من خلال تجربته الطويلة في العمل العام، لكننا مع ذلك نخشى عليه من (منزلقات) تعترض مسيرة عمله، توضع بإتقان، تكون نتيجة (الوقوع) فيها انحراف المسار لغير صالح العامة، لذلك نجد أننا ومن منطلق الحرص على مصلحة مواطن ولاية الخرطوم، والحرص على تجربة الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر في إدارة شأن الولاية العام، ونجاحه في ذلك رغم المعوقات العديدة التي يعتبرها البعض (شماعات) للفشل، لكل ذلك نجد أنفسنا نطالب السيد الوالي- شخصياً- بألّا يقيّد مجانية العلاج بدخول المواطن تحت مظلة التأمين الصحي، خاصة في حالات علاج الأطفال وحالات الولادة- عامة- لأن نسبة الوعي بمشروع التأمين الصحي لم تزل ضعيفة لدى الكثيرين. ونعود لما بدأنا به من تقييد الفوضى يكون بتفعيل وتطبيق القانون، وقد بحثت واستعنت بأصدقاء ومختصين حتى حصلت على نسخة من (قانون الصحة القومي لسنة 2008م) الصادر في السابع والعشرين من يوليو من ذلك العام، وتوقفت عند المادة الثامنة والعشرين التي جاءت تحت عنوان (حق المواطن في مجانية العلاج) والتي أنقل- في ما يلي نصها- - يكون للمواطن الحق في العلاج المجاني في الحالات الآتية:- أ. علاج الحالات الطارئة بالحوادث مجاناً في كل المؤسسات العلاجية إلى زوال الحالة الطارئة. ب. علاج الأطفال حتى سن الخامسة مجاناً في كل المؤسسات العلاجية الحكومية. ج. علاج الحوامل في كل المؤسسات الحكومية من ولادة طبيعية أو قيصرية ومتابعتها بعد الولادة. د. خدمات الرعاية الصحية الأساسية. نحن لا نريد أن نلقي الاتهامات جزافاً دون تثبت في وجه أي جهة أو شخص أو مجموعة تكون أو يكون لها أو له مصلحة في الالتفاف على تطبيق القوانين بإصدار القرارات، لكن الحديث الذي يدور في أوساط اختصاصيي طب الأطفال وبين اختصاصيي أمراض النساء والتوليد، حديث خطير، يتطلب من السيد والي الخرطوم أن يتقدم نحوهم خطوة وأن يستمع إليهم (مباشرة) خاصة بعد أن آلت المستشفيات الاتحادية للولاية. أما ما شد انتباهي وأثار اهتمامي بحق، هو ما سمعته من أحد الأصدقاء المهتمين بالعمل العام والطوعي وله صلات وعلاقات مع المنظمات العالمية العاملة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات وغيرها، فقد قال لي إن كثيراً من المنظمات الأممية والطوعية لها برنامج مساعدات ومنح خاصة في مجالات وجوانب علاج الطفل والمرأة ومكافحة بعض الأمراض ولا تُلْزَم بتطبيق قوانين المقاطعة الدولية المفروضة على بعض الدول لأسباب السياسة. إذن ستكون هناك نسبة عالية من تكلفة العلاج أو وسائله في مجال علاج الأطفال أو عمليات الولادة، خارج نطاق المسؤولية المالية والمادية الرسمية للدولة. }}