ذات شتاء موحش في تورنتو في القرن الماضي كنت أقلب صفحات (الرأي العام)، لفت نظري اسم ضياء الدين بلال في حوار مع عبد الله علي إبراهيم، وكنت حينها أدير مكتب M.B.C بكندا وأدرس ضمن كورس نظمته كلية جورج براون للإعلام كيفية إدارة الحوار الصحفي دون رتابة بمنحه الحيوية الكاملة عبر الأسئلة الناشطة والاستطرادات المنعشة والمستفزة في آن معاً. خلت أن ضياء الدين معنا في هذه الدورة، فقد كان حواره مع عبد الله على إبراهيم مبنياً على تلك القاعدة، بعدما عرفت أنه شاب لم يتجاوز الثلاثين وهو من بسطاء الناس وصلته بالمناقل أرحب وأوسع من العاصمة المثلثة، فكتبت حينها عنه معبّراً عن دهشتي من عمق ثقافته في وقت يشهد تراجع الكتاب وانكماش الحوار الثقافي وازدراء الإبداعات الندية ذات الأفق والتساؤل. حين عدت للسودان كان في استقبالي بمطار الخرطوم ومن (ديك وعيك) تنامت علاقتنا وتوطّدت صلتنا وأصبحنا (إخواناً في الله والكتابة والأنس الشجي والضحك الهتون). ضياء قيمة صحفية نادرة فهو مجبول بالفطرة على اكتساب طبيعة الصحافي في بعديها الفطري والاكتسابي، وله عبارة ملوّنة وجزلة ومنزهة عن الغرض، والأهم من ذلك أن نظراته السياسية واضحة وبعيدة وصائبة ومصيبة، وهو أيضاً من القراء وله صلة قرابة بأغلفة الكتب ونسب بالعناوين، عكس السواد السائد في صحافة اليوم. ذات مرة زرت كاتباً صحفياً بمنزله ولم ألحظ أي شيء (مغلّف) يشبه الكتاب سوى (جواز سفره) المهيأ لاستقبال التأشيرات، فتساءلت عن الروافد السريّة التي شكّلت كتابته على هذا النحو المفجع والمبكي!! أصبح ضياء الدين بعد النجاحات القادرة على الاسترسال حتى - الآن - بحكم أنه من المستقبل - هدفاً مشروعاً لجمهرة غفيرة من شباب ينتمون لجيله ومن آخرين يكبرونه بكثير - الفئة الأولى (حاسدة) والثانية (حاقدة)، وفق تقديري أن الفئة الثانية هي الأخطر لأن هناك بعض فروقات الوقت بين الحسد والحقد كما في القبيلة والقبائلية والشعبية والشعوبية فالحسد حالة طارئة ترتبط بأمنية الحاسد ليحل مكانة بلغها المحسود، لكن الحقد حالة راسخة مستقرة وجذرية ومستمرة ولا علاج لها. هذه مناسبة طيبة لأجدد اعتقادي بأنني مازلت أنظر لضياء الدين بأنه فاكهة الصحافة السودانية وأنه يتطور ويتجدد ويولد كل يوم من نفسه مرة ثانية.