القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو الأسود الدؤلي (وقصيدته حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه)

٭ أبو الأسود الدؤلي، اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حليس بن نفاثه بن عدي بن الديل بن بكر ابن عبد المناة بن كنانة بن خديجة بن مدركة بن الياس بن حضر بن نزار، وهم أحوج قريش، لأن قريش تختلف في الموضع الذي افترقت فيه بين ابيه، والنسابون يقولون، إن من لم تلده فهو بن مالك بن النقر، فليس قرشياً.
فقد كان علماً من أعلام عصره. قال عنه الجاحظ أبو الاسود الدؤلي، معدود في طبقات من الناس، وهو فيها كلها مقدم ومأثور عنه الفضل في جميعها، كان معدوداً في التابعين والفقهاء والمحدثين، والشعراء والاشراف والفرسان والامراء والبخلاء، والدهاة والنحويين والحاضري الجواب أى لبقاً فطناً لست لفصل الخطاب.
ذكر البغدادي بأن حُكمه شفاء الصدور ودرر قلائد النحور علم بأنه لا يحوز ذلك إلا من له باع في الفصاحة ودراية اللسان وفصل البيان، وما ذاك عنه ببعيد، لذا كان أبو الاسود الدؤلي واضع لعلم النحو، بتعليم سيدنا علي رضى الله عنه، وانه كان اول من وضع تنقيط الحروف لازالة العجمة، كما ذكر في كتب الادب المتفرغة.
توفى سنة 96 للهجرة، وقيل بل سنة تسعة وتسعين والقول الاول هو الصحيح، وهو من الشعراء المجدين، وله مدائح وهجاء في معاصريه، كثر ما يتحدث عم ينبغي من الربط بين العلم الديني والعمل، فالعلم ان لم يقرن بالعمل لم يكن علماً، بل كان لهواً وعبثا، بل كان خيانة للعهد ونقصاً لقوله:
وما عالم يقتدي بكلامه بموقف بميثاق عليه ولا عهد
وهو عالم يشار اليه بالبنان، وشاعر فلذكيا يستحسن شعره ويستجاد، فيما يروم اليه محبي الشعر وطالبي الحكمة، حيث ان في شعره درر اخلاقية تهذب وتشذب محاسن الاخلاق والاداب الرفيعة، بما يتيح للمرء أن يتخلق بها إقتداء بقوله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) أى اقتنص أحسنها واكملها أدباً وسلوكاً وعملاً وعلماً.
وبما أن قصيدته هذه تعد من عيون الادب الخالد فقد استجادها البغدادي في خزانته وهى:-
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً أنه لدميم
والوجه يشرق في الظلام كأنه بدر منير والنساء نجوم
وترى اللبيب محسداً لم يحترم شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذلك من عظمت عليه نعمة حساده سيف عليه صروم
فأترك محاورة البيضة فأنها ندم وعب بعد ذلك وخيم
اذا جربت مع السفيه كما جرى فكلاكما في جريه مذموم
وإن عتبت على السفيه ولمته في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذ فعلت عظيم
أبداء بنفسك وأنهها عن غيها فاذا انتهيت فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدي بالعلم منك وينفع التعليم
ويل الخلى من الشجى فأنه نصب الفؤاد يشجوه مغموم
وترى الخلى قرير عين لاهياً وعلى الشجى كآبة وهموم
ويقول مالك لا تقول مقالتي ولسان ذا طلق وذا مكظوم
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما فاذا فعلت فعرضك المكلوم
وحريمه ايضاً حريمك فأحمه كي يباع لديك منه حريم
واذا اقتصصت من ابن عمك كلمة فكلومه لك إن عقلت كلوم
واذا طلبت الى كريم حاجة فلقاؤه يكفيك والتسليم
فأذا راك مسلماً ذكر الذي كلمته فكأنه ملزوم
وارى عواقب حمد ذاك وذمه للمرء تبقى والعظام رميم
فأرج الكريم إذ رأيت جفاءه فلعتب منه والكرام كريم
إن كنت مضطر وإلا فأتخذ نفقاً كأنك خائف مهزوم
واترك واحذر أن تمر ببابه دهراً وعرضك ان فعلت سليم
الناس قد صاروا بهئمكلهم ومن البهائم قاتل وزعيم
واذا طلبت الى لئيم جارحه فألح في رفق وانت مدين
والزم قبالة بيته وفناءه بأشد ما لزم الغريم غريم
وعجبت من الدنيا ورغبة أهلها والرزق فيما بينهم مقسوم
والحمق المرزوق اعجب من أرى من أهلها والعاقل المحروم
ثم إنقضى عجبي لعلمي أنه رزق مواف وقته معلوم
٭ فهذه القصيدة نفثت هوى لشاعر ذو بصيرة نافذة، تعلق بأسباب الحياة ومعرفة دقيقة لخبايا النفوس وخبثها ولؤمها واطماعها، وهو قد ذاق الامرين سواء كان ذلك من وصف الجاحظ له حيث كان من أهل النبوغ، وكان ذا نفس طموحة، تبوأت من المعالي، موطاً في مجالس العلم والادب، بارتياده لكيانات المجتمع المختلفة، فلاقت نفسه الحساسة صنوف من اصناف البشر وكثر من الاوصاف التي تمور في داخل المجتمع، من دخائل النفوس ورغائب الاطماع، وكل ذلك بما يمور في مسرح الحياة من صراع بين طبقات المجتمع وفيما يحاك من المكائد والدسائس علنية أو خفية.
فالحسد ينطوي على ما جبلت عليه النفس، التي لم تكن تطمع لمراقي السؤدد في همة لا تعرف الوهن، فان لابد أن تنطوي دواخلها على الشحناء، والخبث واللؤم، بكل من يروم المعالي، إذ كان ذا عزيمة وشكيمة لا تتوانى في جهده وإجتهادها، ان تصادف من ويلات المكائد والدسائس ما يثبط عزيمتها بالخور والانزواء.
وبما إن النفس جبلت على حب الرفعة، فهى لا تحب أن يعلوها جنسها، فاذا علاء عليها، شق ذلك عليها وكرهته واحبت زوال تلك لنعمة ليقع التساوي بينهما، وهذا أمر مركوز في الطبائع. قال تعالى ( أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكاً عظيماً) النساء. وقال (ومن شر حاسد اذا حسد) الفلق. وقد انشد المرار بني متقد في هذا المعنى من صفة الحاسد قوله:
كم ترى من شأني يحسدني قد وراه الغيظ في صدره وغر
وذكر في المعجم الوجيز من معاني الحسد ما يلي:
(حسده) حسداً تمنى ان تزول نعمته عنه: ويقال حسده النعمة وحسده عليها فهو (حاسد) (ج) حساد وحسده (تحاسدا) حسد كل منهما صاحبه: وفي الحديث (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تتنابزوا وكونوا عباد الله اخوانا).
(الحسود) من طبعه الحسد ذكراً كان او أنثى (جمع) حسده (والمحسده) ما يحسد عليه الانسان من مال او جاه او نحوهما.
والحقد هو ثمرة الغضب، ومن نتائجه الحسد، الا ان له دواعياً واسباب ومن اسبابه العداوة، والبغضاء، والعجب وحب الرئاسة وخبث النفس، وبخلها، ومن اشد ذلك هى العداوة والبغضاء، وقد يقتضي الحقد التشفي والانتقام فالحقد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما، وأنما غاية التقي ان لا يبغي، وان يكره ذلك من نفسه، فاما ان يبغض انساناً، فيستوي عبده مسرته ومساءله، فهذا غير ممكن إذ إن في كظم الغيظ أدباً وتحلما. لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وفي ذلك تربية للنفس والعفو عن الناس، وملك النفس عند الغضب، وردعها وكبحها فيما يسيء لها، ومن ذلك الابيات فيما عابه الشاعر بقوله:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً انه لدميم
والوجه يشرق في الظلام كأنه بدر منير والنساء نجوم
٭ استهل الشاعر أبياته موجهاً خطابه بضمير الغائب على ان في القوم ثلة يضمرون له السؤ، وما زاك الا من دواعي الحقد، الذي يفت في كنانتهم، لما يرونه من حظوة به، لا يطلبونها من السعي والاجتهاد والحرص عليه. فأنهم يضمرون الحقد والزراية، بماله ناله وابتغاه بجهده واجتهاده وسعيه. فهم أشبه بالضرائر وغريماتهن. لنا بينهم من الختل والنكد والامتعاض بتجريد وانجاس ذوات الحظوة. سواء كان من نعمة حباهم الله بها أو غيرها. فأن ذلك سخرية منه لهم. وما اكثر ما يشاع من الشحناء بتشويه الاقران، ممن كان لهم حظوة لا ينالها الاخرون. وبما يتكنيه قرناء السوء من ترصيد واصطياد. مهما كانت المحاسن، فانها لا تساوي عندهم إلا قبح وشناعة. قال ابو العلاء المعري:
فإن حسدت فإن شكر فضيلة إلا تؤاخذ في الاساءة حاسداً
ومن الرزية أن تبيت مكلفاً إصلاح من صحب الغريزة فاسداً
فالتجاوز عن ذوي الصغائر تحلما يتصف به اصحاب العقول والالباب.
وقد استدرك الشاعر قائلاً:
وترى اللبيب محسداً لم يحترم شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذلك من عظمت عليه نعمة حساده سيف عليه صروم
وذلك جله لا يؤتى إلا من ثمرات الحقد والحسد الذي عميت بصيرته. بالتشفي والانتقام، فان ذلك هو الحقد المبغوض، عند الله الذي يأباه لخلقه، قال عنتر بن شداد:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلاء من طيعه الغضب
ومن يكن عند قوم لا يخالفهم اذا جفوه ويسترضى اذا عتبوا
٭ قال معاوية بني سفيان (ليس من خصائل الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل ان يصل للمحسود، ولله در القائل يصف الحقد الخبيث: ومطرق يرشح كما اطرق افعى ينفث السم.)
وينتقل الشاعر محذراً من الممارات والتهاتر، والجدل ومجاراة السفيه في سفاهته، إذ ان عصره قد شاعت وسادت فيه حلبات الجدل، بظهور الفرق، والكل مصر على ما يأتي به في مذهبه تعصباً له، فان هذه العصبية من أوهم الامور لأنها ستؤدي الى ما لا يحمد عقباه ولا يرجى منها طائل يؤتى بالنفع، لذا قال.
فاترك محاورة السفيه فأنها ندم وغب بعد ذاك وخيم
واذا جريت مع السفيه كما جرى فكلاكما في جريه مذموم
واذا عتبت على السفيه ولمته في مثل ما يأتى فأنت ظلوم
ولا شك فان السفه من مطية الجهل، والمرء الذي لا يرعوي صاحبه، فان في ذلك العياء، فالجهل هو عدم المعرفة وقرين للسفه، على ان في المعرفة علم ينتفع به. ويفاد من صاحبه، فان الجاهل لا يؤمل منه حصول علما، وهو يجهل، قال النابغة الذبياني:
ينبك ذو عرضهم عني وعالمهم وليس جاهل شيء مثل من علما
ولا سيما فان محاوزة السفيه لا طائل منها وبذا نهى الشاعر عن محاوزة السفهاء وأهل المراء واللجاج، وعدم مجاراتهم في غيهم. فإنهم يزادون عناداً وتمادياً فيما هم فيه من غي وأشار محذراً عن ملاحاتهم بالعتب والمعاتبة لامثالهم فقد يتساويا فيتشابهان، فيما كان بينهما من الظلم وكلمة الظلم تعني بالمتاهة والاغراق في شطط اللجاج، وهذا تشبيه بليغ للظلام الذي يتخبط فيه عديم الرؤية، دون أن يكون هنالك بصيص من النور. قال وابضة بن الاسدي:
أحب الفتى ينقي الفواحش سمعة كأن به عن كل فاحشه وقرا
سليم دواعي الصدر لا بسطأ أرى ولا مانع خيراً او قائل هجرا
ولا شك انه كان ينظر، لما يثار في منابر الجدل والمناظرة التي انبثقت في ذلك العصر الاسلامي، وماتلاه من قيام الاحزاب السياسية، وما كان يجول في الخواطر من الفكر اللجوج وافتعال الخصومة لغياب الرأى الشديد
ثم انبرى منشداً
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك اذا فعلت عظيم
وأبدأ بنفسك وأنهها عن غيها فاذا انتهيت فأنت حليم
وهنالك يقبل ما وعظت ويقتدى بالعلم وينفع التعليم
فهذه الابيات من المشهورات التي تردد على الالسن كثيراً ويتمثل به المتشهدين، لما فيها من عبرة تقتضي بأقتفاء ما اشتملت عليه معنيها من البساطة المحببة للفهم وبما يقصد اليه من الاخلاق الحميدة التي يحبذها ذوي الالباب، وأهل الصلاح، بالعلم الذي يقتدى به حيث تثمر فائدته ويشكل ذلك طابعاً من الاحترام لكل من تخلق بها واستوعب آدابها خلقاً وخلقاً.
وقد اوضح فيما يكون عليه الحال بين الخلي والشجي مستعيراً، ذلك المثل المشهور (ويل الخلي من الشجي) بما قالته العرب من امثالها قائلاً:
ويل الخلي من الشجي فأنه نصب الفؤاد بشجوه مغموم
وترى الخلي قرير عين لهياً وعلى الشجي كآبة وهموم
ويقول مالك لا تقول مقالتي ولسان ذا طلق وذا مكظوم
٭ فان ويل منادي حذفت يا النداء عنه، فان الخلي لا يشارك ذلك المغموم في همومه واوجاعه وآلامه، انما لاهياً حيث انه لا يكايد هما ولا غماً، ولسان حاله طلق، بما فيه من الملهاة وأما الشجي فأنه مشغول الفؤاد، بما إنتابه من مكروه، فان لسانه كأن به نسعه بما هو فيه من الغباء والحزن، على ان الخلي يسخر من الشجي. لما إنتابه من الالم وذلك قوله. مالك لا تقول مقالتي. وفي ذلك تبكيت إذدرداء به.
ثم استرسل الشاعر محذراً اشد التحذير من الايقاع بالملاحات لأبناء العمومة بالخصومة والقدح أو بالتجريح ظلماً وربما يكون هو الخاسر لذوي قرباه دون ان يستشعر جنايته قائلاً:
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما فان فعلت فعرضك المكلوم
وحريمه ايضاً حريمك فأهمه لكي لا يباع لديك حريم
وإن اقتصصت من ابن عمك كلمة فكلومه لك ان عقلت كلوم
قال الشريف في «أماليه العرض» هو موضع المدح والذم من الانسان فذا قيل ذكر عرض فلان، فمعناه ذكر ما يرتفع به او ما يسقط ذكره. ويمدح او يذم به، وقد يدخل بذلك ذكر الرجل نفسه، وذكر أبائه وأسلافه، لأن كل ذلك مما يمدح به ويذم والذي يدل على ان اهل اللغة لا يفرقون في قولهم شتم فلان عرض فلان، بين ان يكون ذكره في نفسه بقبيح أو شتم سلفه وأبائه، ويدل عليه قول مسكين الدرامي.
ورب مهزول سمين عرضه وسمين الجسم مهزول الحسب
فلو كان العرض نفس الانسان لكان الكلام متناقضا، لأن السمن والهزال يرجعان لاى شيء واحد لذا قال عبده بن الطيب لأبنائه في وصيته:
دعوا الضغنة لا تكن من شانكم إن الضغائن للقرابه توضع
واعصوا الذي يبدي انمائم بينكم منتصحاً ذاك السمام المنقع
يرجي عقاربه ليبعث بينكم حربا كما بعث العروق الاخدع
وقد اشار الشاعر مستوصياً بذوات الخدور من الحريم فان حريم ابن عمك فأحمها كما تحامي عن حريمك، ونافح عنها أشد المنافحة، حتى لا يستباح عرض حريمك بالسيء والسب، ولكن كما قال عوف بن عطية:
لعمرك انني لأخو حفاظ وفي يوم الكريهه غير غمر
او كما قال ابي محجن الثقفي:
وعندي علي شرب المدام حفيظة اذا نساء الحي ضاقت حلوقها
واعجلن عن شد المأذر ولها مفجعة الاصوات قد جف ريقها
قال ابن السكيت الحفيظة كل شيء يغضب لأجله
وقد اشار شاعرنا الى ان في حلمك وعفوك عن ابن العم إذ نالتك منه جائحة او عتب، فلا تشمت به الاعداء، وأحسن اليه بالضيع تواضعاً فذلك قدر الحلوم. قال النابغة:
ولست بمستبق اخاً لا تلمه على شعث أى الرجال المهذب.
واذا بالشاعر مستنصحاً في إبداء الادب الرفيع، فيما احوج من حاجة المحتاج، سوى كان ذلك من كريم أو أخ أو صديق أو قريب قائلاً:
واذا طلبت الى كريم حاجة فلقاؤه يكفيك والتسليم
فاذا رآك مسلما ذكر الذي كلمته فكأنه ملزم
وارى عواقب حمد ذلك وذمة للمرء تبقى والعظام رميم
فأرج الكريم ان رأيت حفاءه فالعتب منه والكرام كريم
وإن كنت مضطراً والا فاتخذ نفقا كأنك خائف مهزوم
واتركه واحذر ان تمر ببابه وحدك وعرضك ان فعلت سليم
وعلى ذا فان من آداب المسألة، ان يوفق صاحبها في بسطه وإيصالها من دون الالحاح والالحاق وأنما باللطف والروية. فإن في الناس تفاوتاً في الحلوم والاقدار والحظوظ، فالكريم قد لا تسعفه لحظته على كل حل، وربما يستجيب للحاجة عندما يحن قدر الوفاء بها، فالاعمال ان كانت خيراً أو شراً فهى بضاعة اصحابها، حين تصير الاجساد تحت الرمث رميما. فأنه لا يذكر صيت احداً الا بعمله في ذمه وحمده. كما نوه بأن من كانت له شدة من الاضرار فان الالحاح لا يجبر غرضاً لصاحبه. ولكن مع الصبر يؤتيي الفرج في السلامة. توقياً لشرفك من الاشانة فأنت عزيز النفس بما طابت به سلامتك، واطمأنت اليه روحك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.