إن ما أصاب أمتنا من صراعات عقائدية وفكرية بسبب محدودية الفكر والانكفاء على الذات واحتقار قدرات الآخرين دون أن نترك لعقولنا وقلوبنا ووجداننا محاولة فهم إسهاماتهم، فذلك خلق العديد من الصراعات التي أدت إلى رفض الآخر في حين كان الأجدر بنا التعرف على فكر الآخرين وإسهاماتهم وطرح فكرنا في الساحة الفكرية مناظراً لهم، فالناس أعداء لما جهلوا من علوم ومعارف مادية ومن الغيبيات المجازية، فالغيبيات المطلقة شأن إلهي محض.. رغم أن الإنسان أدرك ما حدث في الكون من اللحظة الأولى من أول ثانية من لحظة الكون، إلا أنه يجهل بلايين الحقائق عن لحظة الحياة وأصل الكون فكل يوم تظهر العديد والجديد مما يجهل، فالحقيقة الكونية في حياة الإنسان نسبية حسب العوامل التي تسهم في تكوينها الدنيوي والمعنوي والإنسان لا سبيل له لمعرفة كل ما يجري في الحياة الظاهرة والعالم المجازي وكل ما في وسعه هو معرفة إحساساته وإدراكه للأشياء حسب منطق الزمان والمكان، فالعلم الواقعي هو مركبات من الإحساسات والتجربة والبحث والاستنتاج والاستنباط والاستقراء والاستقصاء وصولاً إلى يقين مجازي تقوم عليه العقيدة وتتدرج في مسالكه حتى تصل إلى عين اليقين وحق اليقين في رحلة عبر الذات والأفلاك وما بينهما من عالم المادة والروح مستصحباً كل علوم العصر المادية وما وراء المادة والطبيعية والحس والروح والنشأة والتكوين وصولاً بكل هذه العلوم إلى محصلة من السكترونات التي تتحول فيها الفيزياء إلى علم نفس، أي تصبح كل العلوم موضوعاً واحداً هو وجود الإنسان ومصيرة عبر أجمل الانفعالات التي تهتز لها نفوسنا وهو الانفعال بالمجهول والبحث عن الحقيقة!! وهذا أصل كل فن وعلم واكتشاف واختراع.. ومن يتقدم فيه هذا الإحساس لن تجد الدهشة سبيلاً إلى نفسه.. فالدين كما قال انشتاين هو الإحساس اللا شهوي بنواميس الكون مضافاً إليه الإحساس بالالتزام نحو الآخرين وآثارهم على أنفسنا وأن الأحداث التي نمر بها يومياً في حياتنا موجودة أزلياً وبالأدق مسطورة في سفر حياتنا مسبقاً قبل مرورونا بها، وبالتالي فإن هذه الأحداث هي بمثابة محطات القطار المعدة سلفاً لأن نمر بها قبل وصولنا إليها وهذا هو جوهر مبدأ الحرية والجبرية والتسيير والتخيير في الدين والذي لا يتعارض مع القضاء والقدر بشقيه: الكوني العام والخاص.. وشقه الروحي العام والخاص، كما لا يتعارض مع مبدأ السلوك الإنساني الذي هو في أصله عبارة عن ذبذبات وترددات كهرومغنطيسية دقيقة تظهر عياناً في شكل سلوك حياتي يومي كما الحياة نفسها ظاهرياً بين ماضي وحاضر وغد الذي شكل فيها الحاضر المحصلة لماضٍ في الذاكرة وغد متوقع يتجه له الإنسان بكل قدرته وملكاته وتنبؤاته في حين أن للقدر تخطيطه لإتمام رسالة كونية مطلقة تتجاوز كل تخطيط وتنظيم بشري، ورغم أن قوى الإدارك تتحدى حواجز الزمان والمكان عبر إبداع المناهج المادية والروحية متمثلة في ثورة البراسيكولوجي وعلوم السيكترونات والآيزوتريك وتقنيات الناتو إلا أن مشيئتنا وإراداتنا تكملها إرادة مطلقة. وبالخصوص قال العلامة أنشتاين: إذا كانت نظريتي في النسبية صحيحة فلابد من وجود قوة إدراك رباعية الأبعاد، بمعنى أنها محصلة كل العلوم الكونية والروحية وأنها قوة تتحدى كل حواجز الزمان والمكان فهي نفس قوة الإدارك التي بحث عنها علماء البراسيكولجي psi تحت وصف الظواهر الإدراكية عن طريق غير الحواس المألوفة، وقد أشار إلى هذه المحصلة في بحثه الذي لم يكتمل بسبب وفاته. بنظرية المجال الموحد تحول العلماء من الاهتمام بالعلوم المادية رغم استمرارهم فيها، إلى الاهتمام الأكبر بالعلوم الروحية ودراسة الظواهر غير المألوفة باستخدام وسائل لا ترصدها الأجهزة الدقيقة حتى لا ينفضح أمرها من الجلاء البصري والسمعي والتخاطر والهيمنة.. وغيرها باستخدام الحقول المغنطيسية والبيولوجية والهالات الأرجوانية وخلفية الإشعاعات غير المرئية من الأشعة الكونية التي لها صلة بنشأة الكون مما مكن الإنسان من السيطرة العقلية على المادة (pk) والقدرة على التحكم الذهني بالأجهزة المختلفة عبر المسافات وفي مدارات الكواكب البعيدة لإصلاح الأعطال عن بعد في المركبات الفضائية.. وبهذه الكيفية سيرث العقل بوسائله هذه سباق التسلح الحالي وسينتقل العالم من عصر الحروب التقليدية والنووية إلى عصر الحروب العقلية في القرن الواحد والعشرين.. حيث يفتضح كل الكذب والغش والتضليل، وهذا الصراع المحتدم بين العقل والعلوم التقليدية على أوسع نطاق في جميع أوجه النشاط العلمي والديني والآيدولجي والسياسي والعسكري وغيره إلى تغيير خارطة العالم بنفس تلك النشاطات أعلاه.. أما آن الأوان للأمة العربية والإسلامية أن تستيقظ وتسرع الخطى بثبات وجدية عبر مراكز البحث العلمي والنفسي وما وراء النفس والحس والحياة والروح المؤهلة لمثل هذه العلوم وتجهيز المكتبات المتخصصة بكل الوثائق والمراجع والوسائل والآليات والأجهزة والخبراء والوسطاء الروحيين الذين يفجرون الثورة الروحية العظيمة في كل نفس.. فنحن المسلمين الأهل الحقيقين لهذه العلوم التي قامت عليها عقيدتنا كلها من اعتقاد وإيمان بالله والقضاء والقدر والبعث واليوم الآخر والجنة والنار وكل الغيبيات المطلقة بشأن الذات الإليهة وعلمها وصفاتها وقدراتها وإرادتها وحكمها وعدلها.. الخ إن جارتنا إسرائيل قد قطعت شوطاً طويلاً ولها باع كبير في هذا المجال وهي كل يوم عبر هذه العلوم تتصفح عقول حكامنا وعلمائنا صفحةً صفحة، ونحن بكبريائنا الأجوف ومكابدتنا العرجاء العمياء البكماء التي أوقفتنا في مكاننا والعالم يسرع بسرعة فاقت سرعة الضوء ووصلت سرعة الرؤية العقلية سرعة الفكر الذي تتحقق به الأحلام.. واستطاعوا أن يؤسسوا علوماً للأحلام التنبؤية.. لماذا يحكمنا الجهل ويخطب في مساجدنا الأغبياء المنكفين على تاريخ كان كله قتلاً وفتناً ودسايس قتل فيه الخلفاء الراشدون كما قتل خلفاء الأمويين والعباسيين إخوتهم من أجل الخلافة التي أصبحت هي الغاية وليست الرسالة السماوية، مستندين على تفسير جيل تربى في هذا المجتمع ومن ثقافته تلك كانت معظم التفسيرات مقروضة أو بسبب قصور الآفاق الفكرية والعقلية وإدراك المعاني الربانية والإلهية.. لذا لابد من إعادة المنهج الإسلامي وتفسيراته حتى يستصحب معه كل مكوناته الكامنة التي أثبتتها الحقائق العلمية المكتشفة حديثاً في الآفاق وفي النفس وتقديم هذا المنهج للعامة بقدر ما هم مهيئون لإدراكه دون نقصانه أو حجب حقائقه.. والعلم الذي يتأتى بالتفكير العقلي والفلسفي المؤيد بالوحي هو الذي يحقق الوفاق وتتفق فيه أحكام الشريعة مع أحكام الفلسفة الروحية الحقيقية والتي نحن أهلها.. أما الفلسفة التي لا تتأتى عن الارتباط بالحقائق العلمية فإنما هي نوع من المغالطة.. لذا فإن رسالة العلوم الطبيعية والإنسانية هي تخفيض آلام البشرية ودرء أسبابها عن طريق الوصول الصحيح للأسباب.. وهذا هو الطريق الوحيد الصحيح الذي يمكن أن تتراجع أمامه العديد من مصادر الشكوى والأنين عند البشر، وأخطر هذه المصادر هي الفرقة التي تسود بين بني البشر والتي هي أحياناً أو أغلبها ناجم عن التسرع في الحكم على الأشياء وعدم التبصر والتحقق وإدارك المعاني الربانية، فالإسلام دين وسط ودعا الرسول «صلى الله عليه وسلم» إلى الوسطية السمحة التي بها تعاهد مع اليهود ووقع صلح الحديبية وبها انتشر الإسلام.