نبوأت البلاد مركزاً متقدماً في عالم تقنية المعلومات، والاتصالات، والتصنيع التقني، الذي بدأت تلحظ ملامحه العيون، وتعيها الأذن الواعية، وتتقبلها العقول النافعة.. طبيعة نظام الحكم واتجاهاته خلقت للسودان عداوات القريب الغريب، والبعيد المترصد، لاعتبارات النهج والأسلوب، رغم مرونة التنظيم، وتدافع كل الوان الطيف السوداء اليه، والتفاعل معه فاستقوى بهم ولهم، ثم اتفاقية السلام الشامل، كانت هدفاً استراتيجياً في مطلع الإنقاذ، وضمنت الاستقرار السياسي بالبلاد، وأفضت الى الانتخابات العامة وديمقراطية، كما أن الدبلوماسية أثبتت في هذه المرحلة فاعليتها سواء أكانت رسمية أو شعبية.. القوة العسكرية ومصادرها كانت في قلب تفكير الاختصاصيين، فجاء التخطيط المتوازي المتزامن في بناء القدرات العسكرية جنباً الى جنب مع القدرات الاقتصادية والسياسية والبشرية، فانطلقت ثورة التصنيع الحربي لتمتلك الدولة مصادر القوة العسكرية، التي تجدد وتقود الى استراتيجية الدولة العسكرية دفاعية كانت، أو هجومية، أو استراتيجية ردع، ولكن قطعاً وبالتأكيد فإن الفكر الاستراتيجي العسكري متوافق مع الفكر الاستراتيجي السياسي العام لدولة تنشد السلام والأمن والتنمية التي تحرسها القوة، لابد من الإشارة إلى إن الأهتمام بالمصادر العسكرية تصنيعاً، واكبه أثر توقيع اتفاقية السلام الشامل، الاهتمام بالفرد وبيئة عمل، باعتبار أن المعدة بلا فرد يجيد استعمالها، كالجسد بلا روح، وأنه لابد من إعادة النظر الى الفرد، وتلبية متطلبات حياته الآتية واللاحقة بعد التقاعد، أو التسريح باحسان، ولتكن النظرة الاستراتيجية لموقع السودان وتوقعات الصراع القادم في المنطقة أكبر دافع لمفكرينا وقادتنا ليضعوا استراتيجية الجذب، لينضم لحضرة المؤسسة، وكيفية الحفاظ عليه قومياً مثل الحاجة اليه استراتيجياًً.. المصادر المعنوية كانت حضوراً في كل مراحل التخطيط الاستراتيجي وهي بلسم شافٍ لكل معضلات المصادر الأخرى، فهي القوة الدافعة للدفعة الجامعة الضابطة والمهيمنة كتفاعلات الاقاليم وشعوبها باعتبار الجسد الواحد، وشراكة الموارد، وتحاضر السكان.. ويقيني أنه ما من اقتصاد أو سياسة أو عمل عسكري يخلو من روح الدين، وموجهاته، من تراث الأمة، وموروثاتها، وتقاليدها، وشعار هذه الاستراتيجية ربع القرنية يشير الى ما ذهبت اليه.. حلم أي أمة مكاناً وزماناً أن ترى أصالة الغد قد أعدت لغدها الواعد المشرق لدرجة أن بعض الأمم تضع سلم أولوياتها من الالتزامات أن تضع احتياطياً للأجيال القادمة من حسابها، تحسباً لتغيرات ما في هذا الجانب، نتطلع في سوداننا الحبيب الى أن تبدأ المرحلة الثانية من الاستراتيجية بحل مشاكل التعليم، وهي لا تحصى عشوائية تغيير المناهج المستمرة، وتختفي أزمات الكتاب المدرسي، التي تغض مضاجع الجميع، ثم المعلم والمعلم أولاً وأخيراً، ماذا لدينا غير التعليم نقدمه لجيل اليوم، بناة وحماة الغد، ونتمنى أن تكون مجانية التعليم واقعاً وليست شعاراً يرفع باقتراب الحملات الانتخابية.. استراتيجيتنا الزراعية وهي مصدر قوتنا الكامنة جداً والواضحة جداً وضوح الشمس في كبد السماء، بنيت أو ينبغي أن تبنى على شعارنا الأشهر (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، ونحن سلة غذاء العالم، فماذا يضير إن يكون تخطيطنا الزراعي والتصنيع الزراعي هو قطب الرحي، الذي تدور عليه استراتيجيتنا وليكن هو أولاً فكم من سلع تلهب ظهورنا وجيوبنا سوط أسعارها الموجعة، ماذا يضير لو بنيت استراتيجيتنا الزراعية وصناعتها على ايقاف ذاك الاستيراد غير المبرر، لذاك البرتقال أو تلكم الطماطم الصلصة وغيرها وغيرها، وكلها معالجة كيميائياً وضارة في المال والجسد، وصحتنا في مأكلنا وما كل الأكل فيه صحة، وصحتنا في مشربنا، وما في كل الشراب صحة، صحتنا في ملبسنا الذي يحتاج الى تخطيط ثورة في الداخل الزراعي، (الصين كنموذج)والصناعي والمزاج الوطني، وما من أمة عكفت على تنفيذ ما خططت بنكران ذات وتفانٍ إلا وكان المجد والسؤدد حليفها زماناً ومكاناً حساً ومعنى.. لا ضير أن نعيد ترتيب الاسبقيات والأهميات داخل مصادرنا للقوة، فكل شأن للوطن هو مهم، ولنقدم هذا على ذاك، فالمرونة شرط من اشراط الخطة، وهي ملاحظة والمناورة بالموارد مطلوبة في ضمان تحقيق القوة بالحجم والوقت المناسبين، وتجاه التهديد المتوقع، فنحن في عالم الآن المياه فيه معضلة، والانتاج الزراعي والحيواني معضلة كبرى، وسيف مسلط على رقاب متخذي القرار في كل بلد.. ختاماً: وسطية السودان وهويته ومصادر قوته الكامنة والظاهرة تؤهله اليوم وغداً وبعد غد، للعب دور مهم طليعياً ليس في افريقيا وحدها، بل العالم كله، وعلينا جدية تسخير مصادر قوتنا حسب المفهوم الاستراتيجي، لتكون طاقة فعالة مؤثرة في البعدين الاقليمي والدولي، ما علينا سوى معرفة أين ومتى وكيف ولماذا تستخدم هذه القوة، لعامل المصلحة القومية أولاً، ثم التحالفات إذا وجدت ثانياً نأمل أن يسخو مجلس التخطيط الاستراتيجي فيطلعنا بالمعلومة المناسبة في المحافل المناسبة داخلياً، أو من خلال المنتدى الاستراتيجي أين نحن الآن مما تم التخطيط له، ولنقل للسيد تاج السر مصطفى كما قال له الرئيس: بارك الله فيك، وربنا يحفظك والله المستعان.. فريق ركن