التوثيق بصفة عامة فعل ضروري لأثراء ذاكرة الوطن حتي لايضيع ويتشتت الإرث الإنساني، خاصة في بلادنا التي يغلب عليها الطابع الشفاهي دون التوثيق والتسجيل في كافة مناحي الحراك الإنساني، في هذا الوطن الجميل الذي يعزف مفكروه عن توثيق أعمالهم إلا من النذر القليل، وفي إعتقادي أن مرد ذلك يعود إلى تركيبة الذهنية السودانية التي لاتميل إلى التوثيق والتسجيل، بإعتبار أن ذلك يدخل في دائرة تمجيد الذات، ومن ثم لم يعثر علي الكثير من الأعمال الفكرية في كافة مناحي الحياة الأنسانية في السودان، وعليه التقط المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية القفاز وبدأ منذ اثني عشر عاماً أعظم مشروع توثيقي لتاريخ الصحافة السودانية، وذلك عبر لجنة توثيق تاريخ الصحافة السودانية، التي شكلها المجلس من بعض عناصره، وعدد من كبار الصحفيين، والعلماء، والمفكرين، وفي هذا السياق عقد المجلس العديد من ورشات العمل التي حوت دراسات وبحوث قيمة حول تاريخ الصحافة السودانية، وفي الأسبوع الماضي عقد المجلس ورشة عمل بعنوان (توثيق تاريخ الصحافة الاجتماعية والثقافية والدينية)، وتم استعراض ومناقشة سبع ورقات عمل هامة، وبما أنني واحد من معدي هذه الأوراق رأيت ولتعميم الفائدة استعراضها في هذه السانحة، وأبدأ بورقة الأستاذ الهادي ميرغني بعنوان (توثيق مجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح .. تاريخ و وثائق)، فأشار الأستاذ الهادي ميرغني في مقدمة الورقة إلى أن تاريخ الصحافة مهمة ضرورية لمساعدة المؤرخين علي الإستفادة من شهادات الصحف والمجلات التي ترصد وتوثق للحياة في كل مجالاتها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والفنية، والأدبية، والرياضية من خلال الكلمة، والصورة، والفنون الصحفية الأخرى، وذكر أن مجلة الإذاعة والتلفزيون قد لعبت دوراً هاماً في الحياة السودانية في كافة المجالات، منذ صدورها عام (1942م) بعد إنشاء الإذاعة السودانية في مايو (1940م)، وكانت تحمل اسم (هنا أم درمان)، وذكر أن هذه المجلة تعاقب علي رئاسة تحريرها لفيف من الرموز الصحفية، والثقافية المعروفة، ومنهم الأستاذ حسن طه زكي وهو أول رئيس تحرير لها، وفي عهده تحولت المجلة من نصف شهرية إلى أسبوعية، ثم تولى رئاسة تحريرها كل من الأساتذة المبارك إبراهيم، الشاعر الكبير محمد الفيتوري، حسان سعد الدين، جعفر حامد البشير، الأستاذ قرشي محمد حسن، الأستاذ إبراهيم عبدالقيوم، الأستاذ عبداللَّه جلاب، الأستاذ الهادي ميرغني، الأستاذ إسماعيل الحسن بابكر. وحول الصحف والمجلات القطاعية قدمت الأستاذة آمال مينا الصحفية الشهيرة ورقة بعنوان (بحث شامل حول الصحف والمجلات القطاعية - ثقافية - اجتماعية - دينية)، وذكرت الأستاذة آمال مينا في مقدمة ورقتها أن الصحافة السودانية الخالصة لم تجد طريقها للصدور إلا في عام (1919م) عندما صدرت صحيفة (حضارة السودان)، وكان أصحاب الامتياز كل من السيد عبدالرحمن المهدي، والأستاذ حسين شريف الذي كان قد تولى رئاسة تحريرها وكان يطلق قولته الشهيرة (شعب بلا صحيفة إنسان بلا لسان)، ثم تولى ملكيتها السيد علي الميرغني إلى جانب السيد عبدالرحمن المهدي، وبعد وفاة الأستاذ حسين شريف تولي الأستاذ أحمد عثمان القاضي رئاسة تحريرها، وتذكر الورقة أن الصحافة القطاعية ظهرت حوالي عام (1913م)، والصحافة الاجتماعية عام (1988م)، والدينية حوالي (1953م)، ومن الصحافة الاجتماعية ظهرت مجلة (الناس)، ثم مجلة (البيت السعيد)، ثم صدرت مجلة (الناس والحياة)، صاحب الامتياز الأستاذ محجوب عروة، ثم صدرت صحيفة (الدار)، صاحب الامتياز الأستاذ أحمد البلال الطيب وذلك في( 8-2- 1992م) وهي صحيفة اجتماعية يومية، ثم صدرت مجلة (الواحة) وكان أصحاب امتيازها كل من عبدالله عبدالرحيم، وزين العابدين سمساعة بعد ذلك صدرت العديد من الصحف نذكر منها : نبض الشارع - عالم الحوادث - أصيلة - آخر خبر - المجالس - أخبار المجتمع - صباح الخير - صوت الشارع - أخبار الناس - الحياة والناس - الصباحية والعديد من الصحف والمجلات الاجتماعية التي تضيق السانحة بذكرها. ثم استعرضت الورشة ورقة كاتب هذه السطور بعنوان (دور الصحافة الاجتماعية في التنوير الاجتماعي)، وقد حصر معد الورقة نفسه في تناول أربع مجلات اجتماعية هي مجلة الشباب والرياضة، الرعاية الاجتماعية، مجلة الأمانة، مجلة القصر الجمهوري وتحدث كاتب الورقة عن مجلة (الشباب والرياضة)، فذكر أنها كانت تصدر كمجلة أسبوعية ثقافية سياسية، وتعنى بقضايا الشباب، وذكر أنها كانت من أعرق المجلات السودانية، وكانت قد صدرت عام (1970م)، وتولى رئاسة تحريرها كل من الأساتذة إبراهيم عبدالقيوم - الراحل حسن أحمد التوم - سيد علي كرا ر- الراحل علي أحمد عبدالرحمن وأخيراً الأستاذ علي سلطان، وكان من أشهر كتابها الشاعر الكبير الراحل محمد المهدي المجذوب - منير صالح عبدالقادر - محي الدين فارس - مصطفي سند - سيف الدين الدسوقي - الراحل عوض مالك - جعفر حامد البشير والراحل مبارك المغربي وآخرون.كما استعرضت الورشة ورقة بعنوان ( توثيق مجلة التعاون)، أعدها الأستاذ محمد عثمان عباس، وقدمها نيابة عنه الأستاذ عثمان سوار الذهب، وذكرت الورقة أن المجلة كانت تصدر شهرية من وزارة التعاون، وقد تعاقب علي رئاسة تحريرها كل من الأساتذة حسن مختار - محمد عثمان عباس - يحي عثمان عيسى، وصدرت هذه المجلة كمجلة متخصصة في مجال التعاون، إلى جانب المجال الاجتماعي والثقافي. وبالنسبة للصحافة الدينية فقد ناقشت الورشة عدداً من المجلات الدينية فقد أعد الأستاذ محمد إبراهيم طاهر ورقة بعنوان (توثيق مجلة القوم)، حيث ذكر أن الأستاذ يحيي العوض كان يتولى رئاسة تحريرها، ثم قدم البروفسير عبداللَّه حمدنا اللَّه ورقة بعنوان (توثيق مجلتي معهد أم درمان - البيان)، وذكر كاتب الورقة أن المجلة صدرت عام (1957م) كمجلة سنوية، وتتكون هيئة تحريرها من الأساتذة محمد العبيد - عثمان أحمد عبدالرازق - يوسف الترابي - محمد عبداللَّه العمرابي - محمد منصور. وفي مجال الصحافة الدينية المسيحية ناقشت ورقة بعنوان (ورقة بحثية عن الصحافة والكنيسة)، وقد أعدها كل من الشماس الاكليريكي البرت روماني، والشماس الاكليريكي مينا عماد وذلك تحت إشراف القمص الدكتور فيلو ثاوس فرج كاهن كنيسة الشهيدين بالعمارات، وقد عرفته الصحافة السودانية ودرج علي الكتابة في الكثير منها، وذكرت مقدمة الورقة أنه كانت قد صدرت العديد من المجلات والصحف المسيحية، ومن أبرزها (المنارة المرقصية) لصاحبها القمص مرقس شرجيوس ملطي وصدرت عام (1912م)، وتوالت بعد ذلك صحف ومجلات جديدة منها: الينبوع الحي - مجلة الشهيدين - مجلةملاكي وهي تختص بالطفل، ومجلة بولس أسير المسيح، ومجلة الامواس للشباب. مما تقدم نخلص إلى أن الورشة كانت ناجحة بكل المقاييس، وقد تناولت توثيق العديد من المجلات والصحف الاجتماعية التي يصعب الإشاره إليها جميعاً، ولكنني أعد بالكتابة عنها في سانحة أخرى.