على نار هادئة: خالد محمد الباقر: قد يتعجب القاريء من عنوان مثل هذا ، ولكنها رسالة الجحود والنكران التي جسدها احتفال أقامه الفنان الكبير كمال ترباس في يوم رحيل الموسيقار الفاتح كسلاوي الذي أهداه عينه الباكية في أغنية «عينيّ ما تبكي» التي كتب كلماتها ووضع اللحن لها ولم تقطر عين ترباس دمعة ولو خجلاً على رحيل كسلاوي المر. لقد بدأت القصة وأنا عائد من مقابر حمد النيل بعد أن فشلت في لحاق مراسم الدفن، عدت قاصداً دار اتحاد المهن الموسيقية لتلجمني المفاجأة وهولها وأنا أشاهد الفنان ترباس يُفوج الوفود بنفسه من العازفين وفنانين ويدعو البعض إلى الوليمة التي يقيمها بمنزله الجديد بضاحية مدينة بحري محتفلاً.. تصوروا غناء ورقص وفرح وكسلاوي لم تجف دماؤه في تربته.. إنه الجحود بعينه، ومن فنان أسهم كسلاوي في تجربته. إن احتفال ترباس بمنزله «البستاني» الجديد والعشاء الفاخر الذي كان حديث ميدان التحرير في ثاني يوم، فضيحة كبرى وسقطة في حق فنان في قامة ومكانة ترباس الذي أطلق أهازيج الفرح في يوم وفاة كسلاوي. عانى الراحل المقيم الفاتح كسلاوي من المرض وجحود الأصدقاء.. حدثني أثناء مرضه بمستشفى السلاح الطبي على تصرفات أصدقائه من الذين كان يعتقد أنهم أخلاء وأصفياء لتنكشف أقنعتهم وزيف شخصياتهم أثناء محنته، وأسر إليّ بأسمائهم ولكني لن أفعلها إكراماً لروحه الطاهرة التي هي الآن بين يدي الله. دفن كسلاوي وسط موكب غاب عنه كل أصحاب المصالح ومرضى الشوفانية الباحثين عن الأضواء وعدسات الكاميرات. رحل كسلاوي وهو يدفن رأسه في وسادة سريره بمستشفى السلاح الطبي بعد أن نقل إليه وهو يعاني أشد ساعات الألم والحسرة والعذاب بعد أن تمكن مرض السرطان اللعين منه وأفقده النطق والحركة. رحلة كسلاوي مع المرض حكاوى وقصص مخزية تعري إنسانية الكثيرين من أصحاب أقنعة الزيف!! غادر كسلاوي بعد أن خلّف إبداعاً وشلالاً من الجمال «عينيّ ما تبكي»، «ما تقولي لا»، «ليه كل العذاب».. والكثير من الروائع وعدد كبير من المقطوعات والأناشيد العسكرية. ليس ترباس وحده فقد طال الإهمال كسلاوي وكثيرون مثلوا دور «بروتس» الذي طعن قيصر! رحل كسلاوي وهو يردد ليه كل الجحود ليه كل العذاب.. «لم يأكل مما زرع.. ولم يلبس مما صنع».. اللهم ارحم كسلاوي واغفر له وابدله دنيا خيراً من دنيانا، واكرمه في آخرته وانزل عليه شآبيب رحمتك وتقبله مع الصديقين والشهداء ولا راد لقضاء الله و«إنّا لله وإنّا إليه راجعون». ٭ حروف على النار قطار الموت لا زال يتوقف عبر محطاته يحمل في جوفه جموع المسافرين إلى الدار الآخرة، ولا جديد في هذا.. فالموت هو سبيلنا جميعاً.. آخر ركاب هذا القطار الموسيقار المبدع الفاتح عوض كسلاوي بعد أن خلّف إرثاً لحنياً أكسب من ردده شهرة واسعة.. داهمه المرض اللعين فانفض السامر، ولاقى الإهمال والنكران إلا من قلة.. لم يجد كل من كانوا يتحلقون حوله يرجون وده.. أغمض عيونه وقد ارتسم على محياه وهو يغادر الحياة نظرة عتاب وغصة ألم.. إنها طعنة خنجر في خاصرة الوفاء.