ومعلومة علمية جداً تقول إن التمساح لا يعرف البكاء، وأن تلك الدموع التي يزرفها ما هي إلا عامل يساعده على هضم فرائسه واشياء اخرى، وبعد رحيل الملحن الانسان الفاتح كسلاوي ظهر أكثر من (تمساح) يبكي ويبدي حزنه المرير على فقد الرجل، وذهب البعض لأبعد من ذلك عندما تحدثوا عن كسلاوي على انه صديق عزيز لهم، واحتلوا المنابر المختلفة واطلقوا العنان لأحزانهم (الملقحة إصطناعياً) كي يغيروا الصورة الباهتة والقاتمة التي كانوا عليها ابان مرض الراحل، ولكي يداروا بذلك (عورات) وسوءات تقصيرهم الشنيع تجاه ذلك الرجل بتجاهلهم له، وبعدم اهتمامهم بالتواصل معه بالرغم من انهم اصدقاؤه، و...(عجيبة صداقة هذا الزمان). جاء (التماسيح) الآن ليبكوا على كسلاوي بدموع تساعدهم في تنظيف إطار الصورة (المتسخ)، ونسوا أن التاريخ لا يرحم ولا يغفر، ولا (يجامل)، وتناسوا كذلك حديث الرجل قبيل وفاته عندما قال وبالحرف: (اعاني من تجاهل اصدقائي)، قبل أن يبكي بحرقة في مشهد وثقت له عدسة زميلنا المصور سعيد عباس. بكى كسلاوي بدموع (من دم) هجر أصدقائه المقربين و(تطنيشهم) له في الوقت الذي يحتاج فيه اليهم، بكى الرجل وهو يتألم مرتين، مرة بسبب المرض العضال الذي امتلكه وتملكه، ومرة اخرى بسبب هجر الاصدقاء والمقربين، واكتفائهم بإلتقاط اخباره من على البعد (اذا سمح لهم وقتهم بذلك)، واليوم يخرج علينا البعض وهو يتحدث عن كسلاوي دون خجل، وعلى عينيه تتراقص ذات دموع (التماسيح) البغيضة. لن نقول إن كل اصدقاء كسلاوي (جاحدون) فمنهم البعض وقف بجانبه بقدر استطاعته، لكننا لن نرحم اولئك المقتاتين من مصائب الناس لتلميع وجوههم (الكالحة)، والمستغلين لمشاهد الاحزان للعب دور البطولة، ولن نرحم كل من (عمل رايح) في مرض الراحل، وجاء بعد ذلك ليحاول إقناع الناس بأنه حزين لفقده. جدعة: غريبة هذا الدنيا التى لا يستحى بعض (تماسيحها) على البكاء في وقت فقدت فيه دموعهم مصداقية القبول، وغريبة هذا الدنيا التي تجعل البعض يسقط ببلاهة في فخ التاريخ الذي لا يرحم ولا يغفر ولا يجامل، وتعميه اضواء الكاميرات والفلاشات عن تبين موطئ قدمه قبيل السير في طريق النكران والجحود، فيظل يلاحقها لتغيير صورته القاتمة التي ارتسمت في دواخل الناس، فتتبدد كرامته مرتين، مرة عندما اشاح بوجهه عن انتهاج مبدأ الوفاء، ومرة أخرى عندما حاول تبرير ذلك وتحسين الصورة بدموع مزيفة و(رخيصة) الثمن. لسعة: الرحمة والمغفرة لكسلاوي بقدر ما أسعد هذا الشعب، وبقدر ما عانى من المرض، ومن أولئك (التماسيح) الذين سيأتي الدور عليهم في يوم من الايام ولن يجدوا أحداً ليبكي عليهم، سواء بدموع حقيقية، أو بدموع أخرى...ولا حول ولا قوة إلا بالله. شربكة أخيرة: فعلاً...الاختشوا ماتوا.