حَلّ علينا شهر الله رمضان.. ورمضان شهر له طعمه ورائحته ولونه، وهو محطة في حياة المسلمين لا تخطؤها العين أو يتجاوزها الحساب، هو شهر للتغيير.. في نمط الحياة وبرنامجها.. وفي داخل النفس البشرية وتبلغ أهميته.. فيما ورد من إشارات قرآنية وأحاديث صحاح، وفي هذه الخواطر نستعرض بعض هذه المحطات. 1- الشوق المحمدي: صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنه كان إذا أهلّ شهر رجب.. وهو مقدمة لرمضان دعا بالدعاء المأثور (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبَلِّغنا رمضان). والدعاء يعكس شوق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أن يشهد رمضان فيسأل الله أن يمد في عمره حتى يبلغ هذا الشهر ويعيشه ساعة فساعة ويوماً بيوم. ولنا أن نتساءل ما سر هذا الشوق؟ والشوق من شخصية استثنائية نعلم أن شوقه الأكبر كان إلى ربه بل إلى لقاء ربه في الدار الأخرى، وقد شهد القرآن شهادة واضحة في حق رسوله شهادة لم تسبق لآدمي من قبل. نقرأ قوله تعالى في حق رسوله (صلى الله عليه وسلم) (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين). أمر رباني.. لرسوله (صلى الله عليه وسلم) بأن ينقل لنا هذه التزكية من الله تعالى في أحوال نبيه (صلاتي.. نسكي) بل (محياي ومماتي) لله رب العالمين، كأنما يريد الحق أن يقول لنا بأن هذا المخلوق - محمد بن عبد الله - قد سجل نفسه ملكاً حُراً للّه تعالى.. فليست فيه أي مساحة لغير الله (محمد ملك حُرٌ لله تعالى)، وكما قال الإمام أبو حامد الغزالي حين قرأ هذه الآية (هذا حال عبد مفقود لنفسه موجود لسيده). فلماذا يا ترى اشتاق رسول الله إلى رمضان وهو يحمل شهادة الشوق الأكبر إلى الله؟ ينقدح في ذهني أن شوق الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى رمضان.. هو عين شوقه إلى ربه.. لأن رمضان هو أقرب المسالك إلى الله. فرمضان هو مهرجان للهجرة إلى الله.. من خلال سبل ووسائل كثيرة فإنك تدخل ساحات ربك في رمضان من خلال كل أركان الإسلام الخمسة فرائضه وسننه وفضائله: - الشهادة: تنطق بها في صلواتك جميعاً مؤذناً ومقيماً. - إقامة الصلاة: تقيم صلواتك - إيتاء الزكاة: أنت تؤدي زكاة الفطر وزكاة الوقت. ومعلوم أن الصلاة هي زكاة الوقت ألا ترى أنك تؤديها في حُرِّ الوقت لا في هامشه، ويمكنك مراجعة مواقيت الصلوات لتدرك أنها فرضت في أوقات عزيزة.. والوقت هو الاقتصاد وهو التنمية. - وصوم رمضان: تصوم الشهر كله. - وحج البيت: أن تتمثل البيت الحرام أمامك في كل صلواتك وتراقب ذلك. ففي هذا الحيز الرباني المسمى رمضان أنت تمارس أركان الإسلام كلها وفضائله ومستحباته. ميزة أخرى متفردة.. تميز بها هذا الشهر هي: نزول القرآن الكريم.(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).. (إنا أنزلناه في ليلة القدر) هذه حقيقة كبرى.. الحق سبحانه وتعالى بجلاله وأسمائه وصفاته.. تنزل إلى دنيانا فخاطبنا.. بكتاب ولغة نفهمها.. وكان ذلك في خلال هذا الشهر.. أي تكريم لهذا الآدمي الحقير أكبر من هذا؟... يتنزل الحق فيخاطبه ويحادثه ويقربه إليه.. بكلام يفهمه الإنسان ويأنس إليه (بلسان عربي مبين). لقد خلق الله هذا الإنسان وكرمه.. صمم تركيبته.. ليعده لمهام جسام: (عمارة الأرض).هذا تكريم كبير لهذا المخلوق الضعيف.. اصطفاه ربه دون سائر الكائنات وأعده ليكون خليفة له في الأرض.. وخاطبه وأنزل كتابه في حيِّز زماني محدد هو (رمضان) وهو الشهر الوحيد الذي ذكر باسمه في القرآن. نحن إذاً أمام شهر مصطفى ومجتبى دون شهور العام.. والحق عودنا أن يصطفي من البشر أناساً (الأنبياء) ومن الأنبياء نبياً قائداً (محمد).. وأن ينتقي من العام شهوراً (رمضان) ومن الشهور أياماً، بل يختار من الأرض بقاعاً (مكة)... ويمتد اصطفاؤه فيشمل عالم الحيوان.. النحل.. (وأوحى ربك إلى النحل) سبحانه وتعالى اسمه وجلّ جلاله. أحبائي...نحن أمام أيام مقدسات اصطفاها ربنا.. فتجلى فيها على عباده وخاطبهم بخاتم كلماته (القرآن).. هذا الكتاب المبين.. والقرآن من خلال رحلته من ساحات الله إلى البشرية مرَّ بمراحل.. في خارطة طريق عجيبة نستعرضها في جمعتنا القادمة لنتابع كيف وصل إلينا هذا الكتاب.. وحتى ذلك اللقاء نأمل أن ننتفع بساعات هذا الشهر.. ثوانيه ودقائقه لأنه شهر متفرد عجيب كأنه ليس من أيام الدنيا. رئيس مجلس الذكر والذاكرين