يوم طلعت القمرة الخير يا عشاي تودينا لي أهلنا ... بسألوك مننا (لحن كردفاني قديم) قبل أعوام خلت استبدت بي أسقام الجسد تأسيساً على خلفيته وتاريخه الغذائي فإني أوقن أن جسدي متحالف بثابت استراتيجي مع اللحم منذ اليفاعة حتى دخولي مستشفى تورنتو وقتئذ كمشروع شهيد للثريد والشواء وكبدة الإبل !كان عمري وقتها 43 عاماً قضيتها متنزهاً فيه ومصيباً له وعاشقاً للشياه الصغيرة التي لم تبلغ الحلم وتلك أطيب أنواع اللحوم.. فالشاه البالغ المجرب للإتيان والنكاح على سنة (المراح) يتقوّى لحمه بمرور الزمن ويصبح عصياً على (النتش) وتكتسب أسنانه صفرة.. سبحان ربك ما جدل الرابط السري بين الدورة المنوية وصفرة الأسنان!!؟ وما يزيد لحمه غلظة أن صاحبه يعزله عن حياة المرعى الطليقة ويكرّسه لمهمة جليلة هي التنقل الجنسي بين جميع النعاج بغرض التكاثر والحفاظ على النوع تماماً ك(المتفرغ الحزبي) الذي لا يرى إلا بعينٍ أيدلوجيةٍ واحدة! مثل ذلك الخروف يسمونه (الفحل) والمتفرغ الحزبي يسمونه (الكادر) ومطلوب منه أيضاً أن يكون (فحلاً) لأنه يبشر بنص حزبي واحد، والنص الحزبي في هذه الحالة هو شهوة الأيدلوجيا !! بعد مغادرتي مستشفى تورنتو وبعد العرض الباهر الذي قدمه جسدي في مضمار آثار اللحوم من مصدريها الأساسيين الحملان الصغيرة والفحول (المتفرغة) أوصى الطبيب بأن أقابل اختصاصي الأغذية ليرسم لي (خارطة طريق) غذائية جديدة تُعينُني على الحياة بلا خفقانات قلب ولا تنميل أقدام ولا (شحتفة).. أطلقت عليها لاحقاً (مصفوفة تورنتو) ! كانت أهم بنود تلك المصفوفة ألا أتناول أي طعام بعد غروب الشمس كأن الشمس تستر اشتهاءات القلب وتعصم الجسد من الزلل ويومها تساءلت ما علاقة الشمس باللحم؟! أغرب ما في الأمر أن اختصاصي التغذية كان سميناً جداً وله رقبة أشبه بجذع شجرة في طور النمو، اختصاصي يُوحي لك بالشواء ويُحيلك لمجالس ود القرشي في الأبيض والبان جديد حيث لا شئ غير الدخان ورائحة اللحم المتبَّل وطعم الود والتصافي واتساعات القلوب الكبيرة.. تأمل توجدنات راثية في منمنمته التي تقطع الفؤاد: حليل جلسات الخريف *** تحت التبلديات حليلك إنت تشدو *** والسحب ضالات حزناً عليهو ما بتحملو الكلمات وكيف الموت يشيل *** عوض الكريم بالذات !! واستطرد الاختصاصي المحسوب على جلسات (التبلديات) في الأبيض من تورنتو يقول لي: أنت ممنوع من تناول العشاء، وعلل ذلك بأن العشاء يرهق الجهاز الهضمي مما يسبب سرطان القولون ويرهق الجسد وإذا كان من الدهون فإنه يتسبب تدريجياً فيما يطلق عليه الأطباء ال «Erectile Dysfunction» وهو مرض يجعلك في حل من (الشراكة الزوجية)!. وعلى نقيض من مهمة الخروف الفحل الذي يسبب لحمه هذه العلة، فتأمل يظل هو (متفرغاً) وأنت (منشق) بحكم العجز !منذ ذلك الأوان لم تمتد يدي لطعام عشاء ليس بسبب الحرص على التفرغ ولكنه بسبب عدم الحرص على اعتزال الحياة السياسية !!وبتوطين هذه العادة استبان لي أن العشاء يشكل أوتاداً في حياتنا السودانية. انظر (عشا البايتات) وتجد أيضاً رجلاً اسمه (العشا) والعشاء ركن مطبوع في مناسباتنا ويعني أيضاً الظفر بالمكاسب مثل أن يقول لك السمسار: (ببيعو ليك بي كدا لكن تعشيني فيهو). أحتفل هذا اليوم بالعام الثاني عشر على الكف عن العشاء وفي نفسي شئ من شواء !