كان الموضوع المتداول على نطاق الولاية وعواصمها وكل الأحياء هو «الخروف»، يتحدث البعض عن الأسعار و يستنكفون حديث وزير التجارة، ولم تسلم الحكومة من فحيح وآهات عطفاً على الأسعار العالية التي شهدها هذا العيد، كانت الخرفان في كل مكان مثل حركة اللجان الثورية التي من ثوابتها أن تكون «اللجان في كل مكان»، فرضت الخراف فلسفتها وطبيعتها وشروطها فصارت هي المتداولة في الكلام وسكت الناس عن المباح لدرجة أن الأستاذ كمال حسن بخيت كتب زاوية كاملة خصصها في ذم خروفين قام بإرجاعهما لمصدرهما من قلة اللحم البائن تحت جلدهما ومن جحوظ العينين الدال على فقر الدم الناجم عن سوء التغذية بسبب خطورة المراعي في مناطق التماس. الطاهر حسن التوم أجرى حواراً مطولاً مع وكيل وزارة الثروة الحيوانية وقام بإجراء التحقيق المصاحب للحلقة بنفسه وأنهى التقرير في نقطة انسداد بين المشتري والبائع ذكرتني بمفاوضات أبوجا وجولات أديس أبابا، إذ أنهما وصلا لمفاصلة وطريق مسدود بسبب إصرار المشتري على 750 جنيهاً وتمسك البائع بألف. لم يكن وكيل الثروة الحيوانية دقيقاً في إجاباته ولم تكن تعكس عمق إلمامه بهذا الحيوان الأليف إلى أن فرهد الحلقة «صديق حدوب» بتحليل العارفين أولى الصلات المديدة والعميقة بالخراف والأنعام فاستفاض في حديث شجي وواقعي وحقيقي، صديق هو ابن حاج حدوب الذي كان «يدوعل» التيران حتى ترتخي جفونها وتصاب بالغشاوة والعمى وكان الجزارون الذين يذبحون تيرانه يفاخرون بأنهم «ضباحين تور عميان» في استعارة تصريحية تدل على الشحم!! ارتفع سعر «الضباحين» حتى وصل مبلغ 200 جنيه بحسب الجلد والرأس هكذا شكى لي المخرج عماد الدين إبراهيم حين هاتفته مهنئاً فرد التهنئة و جلاً وفزعاً. أما أنا فقد انتخبت شاهاً من شياه البطانة أكحل ينعقد جسده على «تلاحم» فريد، يجمع للونه بين الأبيض والفاصل الأسود وأنوف وله كبرياء وقليل الثغاء وكثير الصمت والتأمل، هكذا تكون خراف البطانة التي ينتهي نسبها لخراف «بني العباس» وحين ذبحته على يدي ترنم بأبيات من الدوبيت من منحره المتجلي شحمة بيضاء ودم سال مدراراً إشباعاً لمحبتي وفداءاً لإسماعيل!