قرأت قبل أيام للأستاذ صاحب القلم السيف (عابد سيد احمد) مقالاً (عن الصرف في الوزارات الجديدة)، واستثناء عربات الدستوريين من التظليل... وتغيير الاثاثات وغيرها..! وحقيقة لقد تركت غمار السياسة إلا لماماً.. ليخوض فيها بحارتها الذين يعرفون بوصلتها واتجاهاتها.. كالعلامة (محجوب فضل).. وأستاذي ابو العزائم.. صاحب السهل الممتنع عبد العظيم صالح... وغيرهم...! إلا أن المقال أثار حفيظتي فعلاً مما دفعني للتعقيب عليه...! فإن مفهوم (الدولة الإسلامية) يرتكز أساساً على انتهاج النهج الإسلامي.. بكل أركانه وقيمه وصوره... فالإسلام دين المساواة والتواضع.. والزهد..! وولاية أمر المسلمين لا تعني بالضرورة العربات الفارهة المظللة.. ولا المكاتب باثاثاتها الفاخرة... ولا العمارات السوامق... وشركات الهدف والأمن التي تمنع عباد الله من الدخول للمسئولين.. على الرغم من القسم... الذي أدوه بأن يكونوا في خدمة الوطن والمواطن.. ولا أعرف كيف.. فإن من المستحيلات أن تلتقي مسؤولاً في الدولة... إلا من رحم ربي..! كان (مسلمة بن عبد الملك) إذا كثر عليه أصحاب الحوائج وخشي الضجر.. أمر أن يحضر الأدباء ليتذاكروا مكارم الأخلاق في الناس، وجميل طرائفهم.. ومروءتهم... (المعنى حتى لا يضجر الناس من الانتظار) ثم يأمر علماءه ائذنوا لأصحاب الحوائج.. فلا يدخل عليه صاحب حاجة إلا قضاها..!! ... لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يمشي لقضاء الحوائج.. حتى أن الأمة.. كانت تأخذ بيده.. لينظر في حاجتها..! فما بال المغالاة في كل شيء.. والبعد عن الاحتكاك بالشعب.. حتي أنك لا تكاد ترى مسؤولاً إلا من خلف سيارة فاخرة.. محكمة الإغلاق.. بعيدة المنال...).. أظن أن هذا الابتكار اسمه.. قضاء الحاجات عن بُعد... لدواعٍ أمنية..!! إن في هذا الشعب.. من لا يجد حتى قوت يومه... وقد حدثتني امراة مسكينة.. بأنها تفطر فقط بالماء والتمر..! وغيرها بفتات من المزابل... وسيأتي يوم ويسأل الله.. ولاة الأمر وكل المجتمع.. عن كل بطن جائع.. وكل هائم بلا مأوى.. وكل عليل لا يملك ثمن علاجه..!! فمن واجب الدولة ترشيد الصرف الى أدنى مستوى.. وتقليل المخصصات والامتيازات.. فهناك من هو في حاجة الى (واحد جنيه).. ولنا في مولانا (أحمد هارون والي جنوب كردفان) أسوة حسنة.. فالولاية ليست برسيتيج.. ورفاهية.. بل هي تكليف عظيم لحل مشاكل الناس.. ومساعدتهم..! ولو.. كان عمر رضي الله عنه لا يبيت ليلة وفي بيت المال درهم ولا دينار...! وكان يبكي حين حضرته الوفاة... وهو يقول (وددت لو أني كفاف لا ليَّ ولا عليَّ..)!! نحن لا نريد أن نبخس الناس أشياءهم ومن حق المسؤولين في الدولة.. أن يمتازوا ببعض الامتيازات ولكن يجب أن يستصحبوا (الزهد.. والتنازل عن الكماليات فهناك من لا يجد الضروريات..)!! إن محاولة توفير بعض المنصرفات.. (التي يمكن الاستغناء عنها).. ستعود على الدولة بفائض من الأحوال... تساعد في سد كثير من الثغيرات في جسد هذا الوطن.. الذي يحتاج للتكافل والتعاضد..!! روي أن أخت (بشر الحافي) وهو أحد الزاهدين.. قصدت الامام احمد بن حنبل فقالت: إنا قوم نغزل بالليل ومعاشنا في الغزل، وربما تمر بنا مشاعل بني طاهر ونحن على السطح.. فنغزل في ضوئها افتحلله لنا أم تحرمه علينا.. قال من أنت؟ قالت أخت بشر.. قال: آه يا آل بشر.. لازال أسمع منكم الورع والزهد..)!! لقد خافت تلك المرأة أن تغزل في ضوء الطريق... حتى لا تدخل في حرمة.. فالانتفاع بما ليس لها..!! زاوية أخيرة تبني بيل غيتس مؤسس شركات الميكروسوفت واحد اصدقائه الأثرياء مشروع.. فحواه.. التبرع بنصف الثروة في وجوه الخير.. وافق على ذلك أغلب أثرياء العالم.. وأمريكا...!! الى متى نعتبر دولة إسلامية ويتفوق علينا غير المسلمين.. في أعمال البر...!!