البارحة مساء كنت في طريقي لمنزلي عائداً من قناة الشروق عبر شارع النفيدي المعروف سابقاً.. والآن بشارع الستين.. غريب جداً أن يكون لشارع واحد اسمان أحدهما يحمل اسم علم عرف بالوطنية والإحسان.. والثاني رقم لا دلالة له! انعطفنا نحو شارع فرعي من «النفيدي» أستحدث العام الماضي ليخفف الضغط على شارع «الستين» وتلك لفتة نشكر عليها ولاة الطرق.. بغتة وجدت نفسي في مواجهة عربة كبيرة مطفأة الأنوار ولا شارات حمراء لها وسط حفرة ظل يشكو الناس عراقيلها منذ استحداث هذا الشارع الفرعي.. العربة من طراز الشاحنات الكبيرة التي تكتنز جسداً مهولاً أفادته من أكل الحديد الطازج ومن وفرة الجازولين.. صرنا على بعد همسة منها وعلى بعد سنتمترات من الحفرة ولكن عناية إلهية توسطتنا فلم تهشمني وما ضعت في أضابير بدنها المهول.. كانت لحظة مثقلة بالحياة والموت الفجائي استوجبت ذكر الله وشكره والزمتني المصلاة ليلاً كاملاً أسبح بالحمد وأتلو واستيقن ضعف الإنسان. صباح أمس مررت بنفس الشارع وجدت «الحفرة» بكامل عافيتها ترقد على الطريق مثل حية زعاف تتهيأ لتوزيع سمها على العربات.. تساءلت كيف نبني ونتمسك بالحياة وكيف نسهل للموت مهماته عبر «الحفر»؟ وسرحت في كل حفرة صاحبت عملاً جليلاً.. نحن نوقع الاتفاقات وندعو للسلام ونعمل جاهدين له لكن حفرة تنفيذ الاتفاقات تظل تتوسطنا ينفتح وزير الخارجية على كل مواثيق السلم ويسعى لكسر الحاجز النفسي الذي قواه الغرب حتى صار كحائط برلين وما أن يهم بحصد جهده يواجه بحفرة «إيرانية»!! نبني العمارات الشاهقة الكحيلة المصقولة لكننا نحرص على وضع كل الأوساخ أمامها. «لنكف العين» ينتصر الهلال بهدفين تمهيداً لخسارته بثلاثة.. يكون لمغنيينا أعذب الأصوات لكن ليس لهم أغانٍ تخصهم.. يصبح مول عفراء رنة للتنفس والتسوق لكنه يحترق.. ترى سرباً من الصبايا الصغيرات الجميلات لكنهن يتزوجن برجال مسنين.. لنا شواطيء من الطمي والخصوبة لكن بلادنا تفتقر للخضرة والإيناع.. لنا شعراء في قامة سميح القاسم وشوقي بزيع لكن القاريء العربي لا يعرفهم. نحن نقف وراء كل إبداع جمالي لكننا نسعى لتدميره بذات الهمة.. نعبد الطريق ونحرص على «الحفرة».. ننجز طريقاً سلساً لكننا نطلق عليه اسمين.. يا الله من نحن؟!