لا تستهويني الكتابة فى الأمور التي أتوقع أن غيري قطع شك سيكتب عنها ويتناولها بالنقد موضوعياً كان أو لم يكن لذلك أكتب بعد إنزال الستار وذهاب الانفعال.. قضيتان توقفت أمامهما.. سقوط الطائرة الأنتنوف.. واعتذار والي الخرطوم لمواطن تم اعتقاله بتهمة القيام بأعمال فاضحة مع زوجته في مخدعهما. لكن طبعاً كتب الزملاء عن الطائرة وأوسعوا المسؤولين بدون تحديد منهم.. نقداً.. وقد ذكروا أن قراراً رئاسياً صدر بإيقاف طائرات الأنتنوف لكن قانون الشركات وقف حائلاً دون تنفيذ القرار.. تراودني فكرة دخول الطائرات تحت مظلة المرور.. وأن تتبع رقابتها لشرطة المرور.. فتحاسب الطائرات وكابتنها على غرار سائق المركبة مثل السواقة بإهمال.. أو قيادة مركبة معطوبة.. ومثلما يحدث في لوائح شرطة المرور من العربات غير المكتملة.. الزجاج المكسور.. الأنوار المطفأة.. الفرامل غير العاملة.. إلى آخره.. تحاسب كذلك الطائرات ومتابعة الترخيص السنوي.. ضرورة التفتيش على المركبة «الطائرة» والتأكد من سلامتها.. هذا مع وجود طائرات مراقبة مستجلبة من حلف الناتو لو ممكن يعني.. قد تماثل طائرات الأنتنوف حسب زمن ظهورها.. عربات الهيلمان والكوامر والبرنسات التي اختفت من الشوارع تقريباً ولكن قلة تعمل تحت ظروف استثنائية. المهم أن الطائرات الأنتنوف أمرها منتهي مثل حكايتي مع السائق في إحدى الشركات التي عملت بها وكان يقوم بتوصيلي كل ليلة إلى منزلي.. وكنا نمر بشارع الإنقاذ وكانت في الشارع حفرة.. كل يوم تسقط فيها العربة ولا ينتبه السائق.. فحفظت مكان الحفرة تماماً.. وأصبحنا عندما نقترب منها أقول له يا فلان الحفرة قدامك.. فيسقط فيها أيضاً.. في المرة الثالثة نبهته للحفرة فسقط فيها فقلت له: أنا يا فلان بوريك الحفرة عشان ما تقع فيها مش عشان تقع فيها.. فأخذ يضحك بهستيريا.. وهذا حالنا مع هذه الطائرات كلما نبهنا وازداد تنبيهنا ضحكوا علينا.. وربما مدوا ألسنتهم لنا أيضاً.. نحن مولعون بعدم الاستفادة من التجارب وبتكرار الأخطاء بحذافيرها ولا أدري سبب عشقنا لذلك.. أم يجب علينا التسليم بأنه: ما فيش فايدة! أما اعتذار السيد الوالي فدعوني أتساءل.. هل هو اعتذار؟.. لا أعتقد.. إنه كلمة مطايبة لا أكثر ولا أقل.. لأن الاعتذار في السياسة والحكم لا يكون بعبارة أنا متأسف.. إنه نقد ذاتي موضوعي لتصرف خاطيء أو أقر المجتمع بخطئه... فالنقد الذاتي ينبني على مقدمات منها تحديد الخطأ.. وتبيان ما أدى إليه.. ومن ثم الوعد بأن لا يتكرر مرة أخرى وفق ضمانات معينة.. كان يمكن أن يتم التحقيق في الأمر.. فقد تكون الشرطة تصرفت في حدود لوائحها.. أنا غير متابع لتفاصيل البلاغ.. ولكن ما أعرفه أن الشرطي لا يتصرف وفق مزاجه.. قد يخونه التقدير ويدفع ثمن ذلك حياته.. فالتحقيق هو الذي يحدد لنا مسؤولية الشرطة هل تصرفت وفق بلاغ كاذب والشرطي المؤهل فنياً وأكاديمياً يشم رائحة البلاغ الكاذب.. هل تم وفق مكيدة للمقصودين محكمة التفاصيل.. والشرطي الماهر عبر التحري يمكنه الشك في البلاغ.. هل كان المواطن قد وضع نفسه في مكامن الشبهات والشرطي الحريص لا ينساق وراء الاشتباه ضد المتهم.. تفاصيل كثيرة غائبة كان يمكن أن يظهرها التحقيق وحتى لا يكون الاعتذار مجاناً على طريقة «دقوا واتعضرلو».. فالاعتذار اعتراف بالخطأ.. فلابد أن يتبعه تعويض مناسب للمواطن الذي وقع عليه الخطأ.. فقد تعرضت سمعته للإشانة على نحو ما.. كما أن المواطن ذاته لا ينبغي أن ينصاع بطاعة عمياء فهي ليست مطلوبة للمدنيين.. فلديه حقوق أن يتأكد من هوية الشرطة بالإطلاع على بطاقاتهم.. ولابد أن يطلع على قرار المداهمة من القضاء أو وكيل النيابة على أقل تقدير. طبعاً لا نريد أن نبخس الناس أشياءهم.. فنحن نثمن خطوة الوالي فهو يعمل على إرساء ثقافة جديدة إن توطدت فتقبل الاعتذار مرة وثانية وثالثة.. وبعد ذلك لا نتوقع اعتذاره.. بل استقالته.. فيشيع عندنا أدب الاستقالة. من كان يمكن أن يعتذر من الحكام سوى سيدنا الخضر؟!