قلنافي الحلقة السابقة بضرورةقيام جمعيةتاسسةلوضع الدستور و يتعين أن تكون هذه الجمعية منتخبة من الشعب مباشرة للقيام بهذا الغرض وتنتهي مهمتها بعد انجاز الوثيقة الدستورية . فلا يجوز ! طبقاً لهذه الطريقة ! لمجلس نيابي عادي (المجلس الوطني الحالي)أن يحيل نفسه إلى جمعية تأسيسية ثم يتولى وضع دستور البلاد ، لأن السلطة التشريعية العادية ليست هي السلطة التأسيسية الأصلية ، بل هي سلطة منشأة لتمارس وظيفة التشريع العادي . وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن يضع الدستور عدد من الأشخاص المعينين تعييناً من قبل أي سلطة ، حتى وإن ادعت هذه السلطة أنها تمثل الشعب . - وقد يفضل الشعب أن يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية الأصلية ، وهنا يجب استخدام أسلوب الاستفتاء الدستوري أو كما يسميه البعض - الاستفتاء التأسيسي - كطريقة ديمقراطية ثانية في وضع الوثيقة الدستورية ولاشك أن هذه الطريقة تمثل الأسلوب الأمثل في ممارسة الديمقراطية ، حيث يباشر الشعب سلطاته بطريقة مباشرة دون أدنى وساطة وتظهر بذلك إرادة الشعب الحقيقية . - وسواء قام بوضع مشروع الوثيقة الدستورية جمعية تأسيسية أو لجنة حكومية فنية ، فإنه يشترط لصدور الوثيقة الدستورية ونفاذها وجوب عرضها للاستفتاء الدستوري وموافقة الشعب عليها . وبالتالي فإن مشروع الوثيقة الدستورية الذي يوضع بإحدى الطريقتين السابقتين لا يتخذ قوته القانونية الإلزامية إلا بموافقة الشعب عليه عن طريق الاستفتاء الدستوري ، بحيث إذا لم يوافق عليه الشعب اعتبر كأن لم يكن ، حتى ولو كان قد وضع بواسطة جمعية تأسيسية. - وإذا كان الاستفتاء الدستوري يقتضي أن يكون للشعب الكلمة الأخيرة في المسائل الدستورية ، فإن السلطات الحاكمة قد تلجأ إليه أحياناً في ظروف تجعل موافقة الشعب مجرد إجراء شكلي يغطي به النظام القائم فرديته ودكتاتوريته ، وهذا ما عرف اصطلاحاً بالاستفتاء السياسي تمييزاً له عن الاستفتاء الدستوري أو التأسيسي ، فالاستفتاء السياسي قد يستخدم لاستفتاء الشعب بصورة تجعل من المحتم على الشعب أن يقر بما يستفتى فيه حيث تظهر الإرادة الشعبية في شكل سلبي يتمثل في قبول الأوضاع الدستورية دون تقريرها ( تذكرون ، الاستفتاء الذي اتبع في دستور 1998م) وبذلك يختلف هذا النوع من الاستفتاء عن الاستفتاء الدستوري الذي يتم بصورة تعطي الحرية الكاملة للشعب في إقرار الوثيقة الدستورية أو عدم إقرارها . - إن بلادنا ليست استثناءاً عما يجري حولنا من أحداث وأكثر ، وبإجراءات استباقية ممنهجة تجمع عليها القوى الوطنية يمكن أن ندرأ عنها الكثير من (المزالق المرئية)!! كتمزيق النسيج الاجتماعي على هشاشته ! الفراغ الدستوري ، ارتفاع السقوفات ، إرباك الحياة العامة، الفوضى وعدم الاستقرار ( وغير المرئية) الأجندة الخارجية وتربص بعض الدوائر الأجنبية بسيادة البلاد. - وبعد تصريح السيد رئيس الجمهورية في مسألة الدستور الدائم للبلاد بتكوين لجنة قومية لوضعه ثم عرضه على استفتاء تأسيسي نستطيع أن نقول بأن هذه الطريقة ديمقراطية إذ أنها سترجع الأمر للإرادة الشعبية لتقرر في شأن الدستور الدائم . - إن ما ذكرناه بشأن الطرق الديمقراطية في إصدار الوثيقة الدستورية يأتي من باب الشكل المتطلب دستوراً ، أما من حيث مشتملات الوثيقة نرى الإستفادة من كل التجارب الدستورية التي مرت بالبلاد (التأكيد على الهوية وحسم مصادر التشريع ، شكل الدولة موحدة أم اتحادية ، نظام الحكم رئاسي أم برلماني ، سيادة حكم القانون ، استقلال القضاء هل يكون اتحادياً في مركزه أم ولائياً في سلطته الأعلى، الحريات العامة ، الحقوق الأساسية ، تقييم نظام المجلسين والمغايرة في شروط العضوية لكل واحد منهما ، تمييز المرأة ، الرقابة القضائية ، الرقابة التشريعية ، الرقابة المتبادلة ، المفوضيات ، المراسيم الجمهورية التي لها قوة القانون ، حالة الضرورة ( إعلان الحرب وفرض حالة الطوارئ ). طريقة تعديل الدستور. كما يتعين مراجعة تجربة الحكم الولائي والمحلي والعمل على إيجاد موارد مالية حقيقية للحكم المحلي والقسمة العادلة للثروة القومية ) كل ذلك وغيره من صميم اختصاص اللجنة القومية التي صرح بها السيد رئيس الجمهورية مؤخراً واللجان الفنية المتخصصة المساعدة التي قد تنبثق من اللجنة القومية ) - وأخيراً وأياً كانت النصوص التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ومهما كان فيها من ضمانات كبيرة من حريات وتحقيق للديمقراطية ، فإن الديمقراطية تتحقق دائماً بوجود رأي عام ناضج يعمل على حسن تطبيق نصوص الوثيقة إذ أن الرأي العام هو سيد المشرعين جميعاً والمستبد العادل الذي لا يدانيه في السلطة المطلقة مستبد آخر والحقيقة أنه يمثل الضمانة النهائية ضد كل استبداد ويعبر عن نفسه بوسائل متعددة وهذه الوسائل نفسها منظور إليها من ناحية أخرى هي المؤثرات الحقيقية والفعلية التي تكونه ، فالصحافة وسيلة للتعبير عن الرأي العام ووسيلة للتأثير فيه وتوجيهه أيضاً وكذلك سائر أجهزة الإعلام الأخرى بالإضافة إلى القرية الكونية التي نعيش فيها . مما يجعلنا نقول بأن عبء كبير يقع على عاتق الإعلام في توعية الشعب السوداني بالنشر والنقاش والندوات والسمنارات شرحاً مفصلاً لكل مادة من مواده ، حتى يحترمه الشعب السوداني ويحميه. وعلى الله قصد السبيل محامي