أسبوع تقريباً.. أو أقل هو ما تبقى لإعلان انطلاقة المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية السودانية، والذي يعول عليه كثير من الإسلاميين في إحداث تغييرات مهمة في مناهج عمل الحركة الإسلامية، والتي بدأت بالفعل ب(دستور الحركة الإسلامية) الذي أجازه مجلس الشورى في اجتماعه المنعقد في الحادي عشر من مايو الماضي. وتلقيت سؤالاً مباشراً من أحد أبنائنا الدارسين للعلوم السياسية، عما أتوقعه للحركة الإسلامية السودانية، وهل يمكن أن تبدأ مرحلة التلاشي السياسي بالنسبة لها، بعد أن وضعها المؤتمر الوطني خلفه، وتحرك هو معبراً عن مواقف (عضويتها) السياسية؟! الإجابة على السؤال ليست صعبة، لكنها دلت على أن الكثيرين من أبنائنا وبناتنا ما عادوا يهتمون بالفعل السياسي المحرك للمجتمع والمحدد لأهدافه، وهذا موضوع آخر كنتُ أتناقش فيه يوم أمس مع الأخوين والصديقين الدكتور عبدالمطلب الفحل والأستاذ نزار الحلاب، نائب عميد كلية المشرق للعلوم والتكنولوجيا، ونحن نبحث أمراً يتعلق بالتعاون بين مؤسستينا. ذكرت لابني الذي طرح عليّ ذلك السؤال أن الحركة الإسلامية التي تملأ الدنيا وتشغل الناس، بدأت بعدد قليل وسط طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في أربعينات القرن الماضي، إضافة إلى شُعب جغرافية و«أسر» صغيرة داخل بعض الأحياء، أخذت تبني نفسها خصماً على رصيد بقية الأحزاب السياسية الأخرى التي كانت تستند على الطوائف الدينية.. وظلت الحركة الإسلامية منذ بدايات تأسيسها تحارب في العلن كل الأفكار والفلسفات القائمة على (طرد) الدين من ساحات السياسة والعلوم، والاقتصاد والثقافة، ورفعت ألوية جديدة في داخل تنظيمات ومنظمات العمل الفئوي والطوعي والإنساني، لكنها كانت تهتم كثيراً ببنائها التنظيمي، الذي أخذ يتطور كثيراً، خاصة بعد أن تولى مسؤوليات البناء تلك (شباب) مستنير نهل من علوم الغرب في جامعاته العريقة، وعلى رأس المجموعة الشبابية كان الدكتور حسن عبدالله الترابي، الذي تميز بالفكر والقدرة التنظيمية العالية وبعد النظر السياسي. بعد المصالحة (التاريخية) في عهد الرئيس نميري - رحمه الله - خلال العام 1977م، كان الإسلاميون هم (الجماعة) السياسية الوحيدة التي حصدت جوائز الاتفاق، وتمكنت من بناء مؤسساتها ونشرها إضافة إلى منافستها في العمل من أجل أن تكون حضوراً فاعلاً في مؤسسات التعليم العالي والعام، ثم مشاركتها في العمل النقابي، وتمددها في الولايات من خلال منظماتها الفئوية والنوعية المختلفة، وتحولت سياسياً من جماعة ضغط وتنظيم صفوي إلى كيان جماهيري مفتوح وعريض شكّل سنداً قوياً لنظام الحكم القائم الآن في السودان منذ نحو ربع قرن، لكنها فقدت عدداً من ركائزها الفكرية والسياسية خلال هذه المسيرة الطويلة، ربما أبرزها زعيمها المتواري خلف لافتة المؤتمر الشعبي المعارض بعد خلافه الكبير مع تلاميذه الذين تولوا مقاليد الحكم. الجديد الذي نتوقعه في مؤتمر الحركة الإسلامية الثامن، هو (ربط) الحركة الإسلامية السودانية ببقية الحركات الإسلامية في المنطقة والإقليم والعالم، فالمعلومات التي لديّ تؤكد مشاركة قيادات إسلامية بارزة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وهذا نفسه يمهد لانعقاد (مؤتمر آخر) على هامش المؤتمر الثامن للحركة في السودان يتم من خلاله الاتفاق على مرجعية إسلامية واحدة، ثم اعتماد هيكل تنظيمي يربط ما بين كل الحركات الإسلامية الحاكمة أو المعارضة إضافة إلى الاتفاق على مناهج محددة في التعامل بين هذه الحركات. أما قضية خلافة الأمين العام أو الإبقاء على الأمين العام الحالي، فلن تكون هي القضية الأساسية التي تشغل العضوية لأنها تسعى لاعتماد الشورى منهجاً ملزماً وتسعى لتطوير نظمها وإجراءاتها في كل الأمور. لم يقتنع السائل الدارس الشاب بكل ذلك الاسترسال، فمضى يجدد سؤاله: (ما هي توقعاتك للحركة الإسلامية بعد مؤتمرها الثامن؟) عرفت أن ما يقصده الدارس الشاب هو ما يشغل كثيراً من الناس.. وهو: (من هو الأمين العام القادم؟).. لذلك لم أجب عليه وإن احتفظت بإجابتي لنفسي، حيث لا أرى في الأفق ما يشير إلى تغييرات كبيرة في الأشخاص.