يبدو ان الضربة الاسرائيلية الدنيئة لمجمع اليرموك في قلب بلادنا قد افقدت الكثيرين منا إتزانهم وجعلتهم يطرحون سيلاً من الاسئلة (الضالة) ، ومن مثل: لماذا هاجمتنا اسرائيل؟ وأقول (الضالة) لأن مثل هذه الاسئلة تضل الطريق نحو الأجوبة الواضحة والجلية والمعروفة، فهى ليست من المعميات ولا من الطلاسم الا اذ كنا قد نسينا إرثنا الكفاحي الطويل المساند للحق الفلسطيني الذي يمثل للعروبة قضيتها المركزية والذي يمثل للاسلام قضية المقدسات الاسلامية وخاصة في القدس الشريف، وهى تستهدف التهويد علناً وسراً، وتمثل للانسانية السوية وصمة عار في جبينها، اذ من المعلوم والمعروف ان المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي بدأ تنفيذه منذ منتصف القرن الماضي ويتواصل على قدم وساق حتى يومنا هذا، ليس هدفه فقط اقامة الوطن القومي اليهودي فوق ارض فلسطين ، بل وايضاً اقامة المجتمع اليهودي النقي، بمعنى ابادة او طرد الشعب الفلسطيني كلياً من ارضه المحتلة، ثم التمدد ما بين الفرات والنيل وهذا الهدف الاخير مرسوم بوقاحة وسفور على علم اسرائيل، ومن ثم اقامة الشرق الاوسط الجديد الذي تهيمن عليه وتديره تل ابيب، أما الفئات الدينية في اسرائيل والمتحالفة معها الفئات الدينية المسيحية المتصهينة في الغرب وبصفة خاصة في الولاياتالمتحدة، فهى تهدف الى السيطرة على العالم بأسره، وما إكثارها الحديث عن (معركة هرمجدون) الاسطورية في الوقت الراهن . ونذكر الذين اصابهم الزهايمر السياسي ان بلادنا كانت وظلت منذ ما قبل نكبة 1948م في فلسطين تقف موقف العداء السافر من المشروع الصهيوني سواءً فكرياً او سياسياً او عملياً، والاخيرة اقصد بها اننا شاركنا بمتطوعينا في معارك حرب 1948م ضد عصابات العدو الصهيوني في فلسطين، كما شاركنا بقواتنا العسكرية في كل الحروب العربية ? الاسرائيلية في الاعوام 1956م -1967م- 1973م فضلاً عن حرب الاستنزاف التى شنها الجيش العربي المصري بعد هزيمة 1967م النكراء. ومن جانب اخر يعلم القاصي والداني ان السودان حتى بعد اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل والاتفاقيات الاخرى بين اسرائيل وبعض الجهات العربية الاخرى، لم تكن له أدنى علاقة باسرائيل لا من قريب ولا من بعيد، ولا سراً او جهراً، بل حتى ان جواز السفر السوداني الذي يمنح للمواطن السوداني الحق في السفر الى كل بقاع الدينا لا يخول له ولا يمنحه السفر الى اسرائيل التى تقابله بذات العداء، ولا يخفى عليه امر ما كانت تقوم به في الجنوب قبل وبعد الانفصال، وما ظلت تقوم به من دعم لحركات دارفور المسلحة، وما تفعله ويفعله وكلاؤها على الصعيدين الاقليمي والدولي في اطار الكيد المتواصل للسودان. والمفارقة الغريبة تتمثل في ان المواطن السوداني العادي لم يستغرب بتاتاً ضرب اسرائيل لمجمع اليرموك العسكري بالخرطوم، اذ ان ذلك من طبيعة الامور بين بلدين متعاديين لأكثر من نصف قرن من الزمان، أما الاسباب المباشرة التى يسوقها المراقبون والمحللون كذريعة للضربة الاسرائيلية فهى قد تؤرق وتهم النخبة، ولكن العامة لا يسألون ذلك الا من باب الفضول العابر، فالسبب الرئيس عندهم معروف. ومن المؤسف والمؤلم ان تتبارى مكونات المشهد السياسي الأساسية في بلادنا في توجيه الاتهام نحو بعضها البعض في وقت كان من المنتظر فيه ان تتقارب هذه المكونات ان لم تتجه نحو التعاضد، فالمستهدف هو الوطن بأسره وليس مجمع اليرموك، وتوجيه أصابع اللوم، لم نقل الاتهام، الى بعضنا البعض عمل غير منتج ولا يخدم أحداً، وانما الأمر يستوجب من نخبنا السياسية والفكرية هو إعمال العقل للخروج برؤية وطنية موحدة تواجه هذا العداء الفاجر لبلادنا من قبل العصابة الصهيونية المسنودة بالامبرايالية الامريكية، ولعلي لا أكون قد تجنيت اذا قلت ان شعبنا البسيط كان أكثر عقلانية من نخبنا العاجية في تعامله مع حادثة الاعتداء الاسرائيلي الغاشم على بلادنا ! و (نواصل).