أهداني أخي الصديق الدكتور يعقوب أبوشورة موسى كتابه النفيس (النفس البشرية ذلك المجهول)، وعلى الرغم من أن الكتاب صغير في حجمه (83 صفحة) طباعة شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، وحمل الكتاب السيرة الذاتية للدكتور يعقوب أبوشورة رغم أنه عمل بالسودان وبغير السودان، إلا أن ما أهمني وأنا أطلع على هذا الكتاب المؤهلات العلمية التي نالها الدكتور يعقوب أبوشورة وقد نال درجتين.. ماجستير في اقتصاديات المياه، وماجستير آخر في إدارة المياه (الري والصرف)، ودرجتي دكتوراة كلها تتعلق بإدارة الموارد المائية، وقواعد توزيع المياه الدولية وذلك من الجامعات الأمريكية والسودانية، ويحق لنا أن نشير اليه بالدكاترة يعقوب أبو شورة، وذلك على غرار تسمية المصريين للدكتور زكي مبارك بالدكاترة زكي مبارك.. وأنا أطلع على هذا الكتاب بدهشة شديدة وذلك لأن الأخ أبوشورة قد تخصص في كل ما يتعلق بالهندسة المدنية، وفي نفس الوقت يزاحم أهل الكليات الأدبية المتخصصين في الفلسفة وخاصة الفلسفة الإسلامية. أبواب الكتاب بعد التمهيد في المحتويات: المقدمة- الإنسان- المخ (الدماغ) - القلب- الروح- العقل- النفس البشرية-الفطرة- الغريزة- الشهوة إن ما قام به الدكتور أبوشورة في الحديث عن المخ والقلب (النفحة) تحدث عن هذين العضوين حديث العارف المتخصص في الطب، وقد أبان بجدارة كيف يعمل الدماغ وعلاقته بالحواس الخمس، والفرق بين الدماغ الأيمن والدماغ الأيسر، ومخ الذكر ومخ الأنثى، ومحورية المخ (مخ الذكر ومخ الأنثى ومحورية المخ في جسم الانسان وقام بنفس المستوى بالعلم الطبي ووصف القلب وعمله، وتكوين القلب ووظيفته.. كما انتقل الدكتور يعقوب الى كنه الروح والحياة وفرق بينهما وتحدث عن فهمنا لأقوال العلماء للروح والحياة، وتتبع معاني الروح في القرآن الكريم وتفسيره- حسب رؤيته للروح وتحدث كذلك الدكتور أبوشورة عن ماهية العقل والتفكير السليم وعرف أيضاً القلب (النفحة) بأنه مركز الاحساس والإيمان ومركز الالهام والعاطفة، وعندما جاء الدكتور الى ماهية النفس البشرية وآراء المفكرين غير المسلمين وخاصة الفلاسفة الاغريق والرومانيين تعرض كذلك لآراء المفكرين المسلمين ثم بعد ذلك تحدث عن أنواع النفس البشرية وتفسيره الخاص للنفس البشرية، ثم ختم موضوع الكتاب بالفرق بين الفطرة والغريزة والشهوة وكيف أن الإنسان والحيوان يلتقيان هنا. إذن فقبل أن نتحدث عن أنواع النفس البشرية ما هي آراء الفلاسفة الأغاريق- كما بينها الدكتور أبوشورة- في كتابه نجد أنهم فشلوا في تعريف النفس البشرية معرفة كنه البشرية وهو أمر مستحيل عند الدكتور أبو شورة لأن النفس البشرية مرتبطة بالروح والوصول الى كنه الروح مستحيل لأن الروح من أمر ربي. والمؤشر الثاني لفشل الفلاسفة الأغاريق في تعريف النفس البشرية أنهم نسبوا النفس الى غير الإنسان، بما في ذلك الجماد، وهو أمر غير وارد تماماً لأن النفس خاصة بالإنسان فقط دون الحيوان والجماد، وهي مرتبطة بالعقل البشري والقلب (النفحة) والمرتبطتان بالروح وهي روح الله (قل الروح من أمر ربي) أما آراء المفكرين والفلاسفة المسلمين ومنهم الفارابي الذي يذكر أن النفس يمكن أن تكون لغير الإنسان، ومنهم فخر الدين الرازي، الذي فرق بين النفس والبدن وهو أمر غير وارد عند الدكتور أبو شورة. رأي المؤلف الخاص عن النفس البشرية يرى المؤلف أن النفس البشرية حصيلة القلب والروح والعقل بعد دخول الروح في الجسد، ويرى المؤلف ألا طائلة في البحث عن كنه النفس البشرية لمجرد دخول روح الله، وهي من الغيبيات في جسد الإنسان، وما دام دخول الروح الجسد يعمل العقل والقلب في ما يرضي الله ورسوله وتسلك السلوك القويم للذي هو منبع القيم الجميلة والفاضلة. وكأن الدكتور أبوشورة يريد أن يقول كما قالت الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) سورة المائدة الآية (101). رأيي الشخصي: إنني أؤيد كل ما جاء في تحليلات الدكتور أبوشورة عن النفس البشرية وفي اختلافه مع الفلاسفة اليونانيين أفلاطون وسقراط وأرسطو وافلوطين وغيرهم، وكذلك اختلافه مع الفلاسفة المسلمين الفارابي والرازي، والسبب في ذلك أن الدكتور أبوشورة بعد أن درس وظيفتي القلب والعقل الماديتين أي بمعنى القلب (النفحة) قبل دخول الروح ونشاطه وامداد الجسم بالدماء التي تحمل الأوكسجين وتطرح الهيدروجين، وذلك بمعرفة علمية دقيقة لوظيفتي العقل والقلب قبل دخول روح الله في القلب، وبعد دخول الروح يتولى العقل التفكير السليم، ويتولى القلب توجيه النفس الى القيم الإيمانية بالتزكية المستدامة بذكر الله، والبعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن- حسب التوجيهات القرآنية والسنية- بالمجاهدات الكبيرة مجاهدة النفس أولاً وهي المجاهدة الكبرى ويتفاوت الناس في المجاهدات لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).. فالنفس البشرية كما اتفقنا مع الدكتور أبو شورة غابة مجهولة المسالك، وكثيراً ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه بعدم الأسئلة في المسائل التي تكون في الأمر الرباني منها قيام الساعة،(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا {79/ 42} فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا {79/ 43} إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا).. والروح الذي جاء أمر الله واضحاً فيها (قل الروح من أمر ربي)، وهنا مربط الفرس وينبغي أن يقف العقل البشري عند هذا الحد، ولكن نسمح للعقل البشري بدراسة أنواع النفس البشرية، متى تتحول النفس البشرية الى نفس أمارة بالسوء، وتتحول الى النفس اللوامة والى النفس الراضية المرضية هذه الدرجات مذكورة في القرآن الكريم. إذا ما نظرنا الى اخوتنا في الصوفية ودخلنا الى غابات المجاهدات بالزهد والتوبة، والرضا، والتوكل، والجوع، والسهر والخلوة، والذكر الدائم، وذلك بعد تجويد الفقه تكون الصوفية على درجات بعد تجاوز مرحلة النفس الراضية المرضية، والنفس اللوامة وبعيداً كل البعد عن النفس الأمارة بالسوء تصل نفوس بعضهم الى النفس الملهمة والنفس الكاملة وهذه مراحل المشاهدة لنور الله. الخاتمة: كنت أريد من الأخ الدكتور يعقوب أبو شورة أن يواصل بعد وضع رأيه الخاص عن ماهية النفس البشرية،- ذلك المجهول- وبعد اختلافه مع الفلاسفة اليونانيين والفلاسفة المسلمين أن يواصل في تعريف درجات النفس البشرية عند أهل الظاهر والباطن، أي عند أهل السنة والصوفية، لأن العلم الحديث في تشريح القلب (النفحة) والعقل (المخ) صار أكثر تطوراً في العصر الحديث من ذي قبل.. أما أنا فلا أستطيع أن أتناول درجات وأنواع النفس البشرية التي تناولها الدكتور أبو شورة إلا أن أكون مؤلفاً لكتاب جديد، وليس معلقاً عليه.. شكرا للأخ الدكاترة يعقوب أبو شورة على هذه الأطروحة الفلسفية الجميلة التي جعلتني أتصفح أكثر من ألف صفحة من كتب الفلسفة، والتفاسير حتى أستطيع أن أجاريك في الأنس الجميل مع الفلاسفة. وفقك الله وسدد خطاك على طريق العلم والخير.